قتل أباه وآكل أخاه و تزوج بإمه


بقلم: عبده علي الفهد
إنهُ قحطان بن منيع ذيل الأسد ، و أمه بطحى ساق الغزال ، كان منيع و بطحى يجوبا الفيافي والقفار ، لم يكن لهما دارِ معروف الإقامة ، كانا دائما الترحال بحثاً عن القوت ، تعرف منيع على بطحى في وادي عافر ، أثناء صيد الجراد ، أفاض كلاهما للأخر عن مكنون سيرته فتطابقت الظروف وتشابهت المعاناة ، فاتفقا على الزواج بعيداً عن أهليهما وعدم العودة و أن يسبح بحمده و يمشيا بارضة الواسعة فكانت هذه سيرتهما.أرض يبيتان بها و أخرى يغدوان اليها ، يصارعان شظف العيش وطبيعة الأرض وتضاريسها وحرها وبردها ، يباتان في الكهوف وأكواخ الأشجار وخرائب الدار.ذات مساء هجم عليهم الأسد في كهف من الكهوف ، فلاذت بطحى خلف منيع ، فزمجر الأسد و زأر و فتح فمه وكشر بأنيابه و أغمض عينيه من شدة فتح فمه متغطرس ، فألقى منيع كل ما يمتلك من التتن (التنباك) المطحون مخلوط بالرماد إلى داخل فم الأسد فلم يستطع الأسد أن يتنفس و أُصيب بالعطاس و سالت عيناه بالدموع ،فكان يصرع رأسه بالصخور ، فتقدم منيع و أمسك بذيل الأسد وقطعه بالفأس وأخذه بيده ، بينما ترك الأسد يتخبط في الغابة و يعلم الله ماذا أصابه ، فكان يحمله في أسفاره و يعتده احدى بطولاته ، فلُقب بذيل الأسد. في احدى الايام، أحاط ببطحى عدد من اللصوص، ففرت و تسلقت حيد شاهق ، وقف اللصوص أسفله مذهولين ، فلقبوها بساق الغزال لسرعتها وتسلقها الجبال. في سنة قحط و جدب؛ رُزقى بولد أسموه قحطان.كانت بطحى تضع قحطان على ظهرها ملفوف بجلد محكم الأغلاق، وتعبر الجداول وتتسلق الأشجار والجبال وقحطان في الجلد على ظهرها ، شاءت الأقدار أن تعبر بطحى ومنيع سيل جارف ، فأجتاز منيع السيل و وقفت بطحى على صخرة ، فوجدت سيل غزير يحيطها من كل الاتجاهات و يزداد ، فنطت و يا ليتها ما نطت ، فقد صادفتها شجرة كبيرة أقتلعها السيل بجذورها ، أصتدمت بها بطحى فاقتلعت أبنها من على ظهرها بمزباه و قذفت ببطحى جانب السيل فتلقاها منيع وانقذها ، بينما أبنهما الرضيع جرفه السيل وحل بهما الويل.نزل بوادي فسيح الضياع ، كثير الغيول ، قليل السباع ، وجدا فيه مبتغاهم . كانا قد ملا وكلا من الترحال ، ونزول الوديان وصعود الجبال ، فجمعا الأحجار وأخشاب الأشجار ، قاما ببنا بيت أمنا فيه من الأخطار ، واختارا ضيعة فاستصلحاها و زرعاها من كل صنوف الثمار ، فاستقر بهما الحال.حملت بطحى فوضعت ولد ، فصار لهما أمل و فلذة كبد ، طاف بهم طائف يدعى رمال ، يضرب الودع و يقرأ الفال ، فقال : يأتيكم غائب غير تائب ، يقتل أباه و يأكل أخاه و يتزوج بإمه.عجبا من كلامه و ثناه فأعطوه و أجزلاه.أما ما كان من أمر قحطان فبعد أن جرفه السيل؛ جدفه في ليه من الليات على ثنية من ثنايا السيل ، فالتقطه راع و إلى زوجته أتى به ساع ، من بطنه عطلوا الماء و في أوردته جرت الدماء.أرضعوه و أتخذوه ولد ، فأسموه برقط ، شب فشقى و رعى ، فزاد عليه الكد والعناء.فقرر الرحيل في الخفاء ، فوقف على باب منيع و بطحى مستسقى طاعم ، فأطعماه و أسقياه وما طلب أعطياه ، فعرضا عليه العمل حارس لمزعتهما ، فوافق على كل شروطهما ، فأعطاه منيع بندقية كان قد اقتناها لحراسة مزرعته.فقال : يا برقط! خذ السلاح و احتط.أخذ برقط البندقية وحشاها بالطلقات وسكن في محراس المزرعة يتعهدها و يجمع المحصول و يجني الثمار ، و تأتيه بطحى بالأكل .و ذات يوم جمع برقط بعض الثمار و أعطى بطحى وطلب منها أن تعرضها على منيع ليرى إن كانت قد نضجت ليقوم بجمعها وتسويقها.عادت بطحى إلى البيت وعرضت على منيع الثمار.فقال : لقد حان وقت قطف الثمر.سأذهب في المساء واقطف مع ملقاط العنب.ذهب منيع متفائل ، فدخل المزرعة من الباب المقابل للمحراس ، أحس ملقاط بالحركة وخلف الأشجار أدركه و بدون إنذار صوب بندقه ، فاطلق طلقة وقعت في صدر منيع فخر صريع ، فصرخ ” قتلتني” القى برقط السلاح فأسرع إلى مكان الصياح ، فوجد منيع قد فارق الحياة غارقاً في دماه.فندب وناح بماحل به من دبور و تشاءم بالويل والثبور ، فحمل منيع إلى المحراس و حاول جاهداً أن يعيد اليه الأنفاس ، فاشعل النار وقام بتضميد الجرح بأوراق الأشجار ، بات ليلة مرتبك محتار . أتت بطحى صباحاً بالطعام فرأت بقع الدم.فنادت : يا منيع ، يا برقط ، لمن هذا الدم ؟.أجاب برقط : لقد أتيت فعل قحطان ، قتلت عمي منيع.فعمر البندق بالطلقة وتقدم الى امام بطحى فأعطاها البندق و أنبطح أرضاً وقال : اقتليني ، هيا اقتليني عقاباً لجرمي بقتلي منيع. انهارت حواسها وخارت قواها ، فلم تعد تعي أرضها من سماها ، فمن جمعتهم صيد الجراد فرقتهم حراسة العباد .أفاقت ونظرت إلى برقط بانحطاط ، فأخذت البندق و وضعت فوهتها في رأس برقط و حطت إصبعها على الزناد و قامت بالخيرة والاستشهاد و بلحظة فكرت و بسرعة قررت فرأت أن حياة برقط خيراً لها من قتله.فهي إن قتلته انعدم سندها ومددها وعاشت بين العباد وحدها مع طفلها ، فمن يتعهدها ويرعى شؤونها ؟.فقالت : أنهض يا برقط قد عفوت عنك فعلتك وغفرت لك زلتك.هيا إحضر العتلة والمنجل نحفر قبر جوار المحراس ندفن منيع خفية عن الناس. كُفن ودُفن و غُطى قبرة بالأشجار ، و أستمر برقط بعمله. كان برقط شاب مفتول العضلات يعمل في كل الأوقات ، فكان رجل البيت.بدأت بطحى تنظر إليه بإعجاب ، فما كان يأكله منيع أصبح من نصيب برقط ، فتمنت أن يصير لها حبيب و أن يكتب لها به النصيب. ذات يوم غابت بطحى بعد أن أوقدت التنور ، خرجت لبعض الأمور ، فصحى الطفل وبكى و إلى التنور دحى وحبى ، فوقع في النار فنجح و أشتوى. تأخر عن برقط الغداء ، فترك المزرعة و إلى البيت أوى ، بحث عن أكل يسد به رمقه ، نظر إلى التنور فوجد بعض اللحم على الجمر قد نجح واستوى ، فدنا والتقط بعضه وأكل ثم شرب حتى أرتوى ، ثم عاد إلى المزرعة من حيث أتى.عادت بطحى لترى طفلها بالتنور قد أشتوى ، كان قد تفحم ما تبقى منه ، فكادت أن تلقي بنفسها في النار ، استجمعت نفسها ولملمت أجزاء الطفل المحروقة و وضعتها في خرقة.أخذت الأكل و توجهت صوب برقط مسرعة ، فلم تتمالك أعصابها من هول الفاجعة ، فقد رأت في برقط ملاذها الأخير. فقالت : يا برقط إليك بطعام الغداء!.هيا أستعجل كي نحفر قبر لابني جوار أبيه ، لقد أحترق في التنور ، و قد جمعت ما تبقى منه داخل هذه الخرقة.فقال : أما الغداء فقد تغديت و شبعت.قالت: متى تغديت ومن أعطاك ؟.قال : استأخرتك فذهبت إلى البيت في غيابك ، بحثت عن أكل في أدواتك وأطنابك ، فعثرت في التنور على لحم مشوي ، فأخرجت قطعة منه فأكلت ما طاب لي ، ثم شربت وعدت إلى مزرعتي.صاحت بطحى يا ويلاة ! قتلت زوجي وأكلت لحم أبني ، هل أنت أنسي أم أنت جني ؟.مباشرةً وضع برقط إصبعه في حلقة و أراد أن يخرج ما في جوفه ، حاول أن يتقيء دون جدوى.دُفن الابن جوار أبيه ، و بطحى ترثي أبيه وتبكيه ، صارت وحيدة ، طريدة ، متبلدة ، حمل برقط على كاهله مسؤولية البيت والمزعة.مرت الأيام و شعرت بطحى بالود يتنامى نحو برقط ، فاعتراها نحوه العشق والغرام ، فطلبت منه الزواج ، وأخبرته أنه مبتغاها والمرام ، وافق برقط و حضر الفقيةللعقد و كتب الكتاب.أُقيم حفل الزواج و زُفت الزفوف و دُقت الدفوف ، فأتى الرمال و سأل عن الأحوال ؟.فقيل له : هذا حفل زواج برقط بزوجة منيع.فقال: يا بطحى هل أتى غائبكمفقتل أباه و أكل أخاه و الأن يتزوج بأمه ؟.نظرت بطحى إلى برقط و قالت : دعك من هذا الرمال سنعطيه المال فيقول إن هذا الزواج حلال.قال الرمال : ألم يكن لكم غائب ؟.قالت : بلى ، كان لنا أبن رضيع يُدعى قحطان جرفه السيل. فقال برقط : سأذهب الأن إلى أبي و أمي وأتأكد من سر مكنوني. ترك الزفاف ومشى الوديان والضفاف ، أحتارت بطحى في أمرها وندبت سوء حظها. فوصل برقط إلى أمه و في كتفه بندقيته وعلى معصمه عطيفه ، فقال : هل خرجت من رحمك بعد تسعة سكنت في بطنك ، إن كذبتِ ببندقيتي قتلتك و بمعولي قطعتكِ.قالت : حصحص ، لم تسكن بطني ولم تخرج من رحمي ، عثر عليك أباك في جول السيلفالتقطناك و اتخذناك ولد.عاد برقط مسرعاً فوجد الرمال على الباب فأدخله و كرمه وبجله وبالهدايا حمله.و في أحضان بطحى أرتمى.فقالت بعدما صالت و جالت :أبني قحطان ! أنا من سمتك قحطان ، قتلت أباك فعفوت عنك ، أكلت أخاك فعشقتك.من هذه الحياة خرجت بك.فبحثت له عن عروس من ساعته وحينه و زوجته بأبنة الرمال ، كاملة الخصال.وتمتعت بطحى بحب الأحفاد بعد أن مرت بأيام أشد من الشداد.واختم بالصلاة على خير الأحباب والأصحاب طيب الأطياب.
👍