تجارب مرعبة

مدافن مسكونة

بقلم: عبده علي الفهد

  • فُتح باب من جوف الكهف و خرج منه شاب أمرد طويل السيقان ، جسمه أصفر كأنه يرتدي ملابس لاصقة بجسمه شفافة
  • هذه المدافن تقع على مسافة اثنين كيلو متر من التجمعات السكانية ، عددها ثلاثة مدافن ، منحوتة في صخر أسود هش نوعاً ما ، في ثلاثة كهوف تحت جبل صخر صم حيد شاهق ، حجم فم المدفن يزيد عن قطر جسم الإنسان بقليل ، عمقها أربعة متر بعرض دائري ثلاثة امتار ، مطلية بالقضاض الأبيض ، يشبه الإسمنت و أشد صلابة منه ، محكمة المطابق بالأغطية من الصخر ، باب المدفن يقع في أرضية الكهف ، والكهف له باب كباب البيت مغلق ،
  • كانت هذه المدافن تستخدم لدفن محصول الغلات الزراعية الزائدة إلى وقت الحاجة ، ويتم فتحها في أوقات محددة.
  • و كان يجتمع الناس إلى باب المدافن عند فتحها لغرض الحصول على حبوب قِرضة للموسم القادم ، فكان يحدث أن يموت الشخص الذي ينزل المدفن من شدة حرارته ، هذه المدافن مستمدة من مدافن الفراعنة بمصر ، هذه المدافن يُسمع داخلها ضجه في الليل والنهار ، طنين نحاس ، قرع أجراس ، فتح و غلق أبواب ، في الوقت الحاضر أبوابها مفتوحة يدخلها بعض الزوار والسواح ، تمر بالقرب منها طريق كانت راجلة ، و مؤخراً تم شق طريق سيارة بنفس المسار تؤدي إلى القرى المجاورة.
  • يقول أحد المسافرين الذي أضطر إلى دخول أحد المدافن والمبيت فيه و كان في الثلاثين من عمره : أنه أثناء مروره مشياً على الأقدام ، ولم تكن حين ذلك قد شُقت طريق سيارة ، كان الجو ظلام و الوقت متأخر من الليل ، وكان المصباح الذي يستنير به قد انطفأ في منتصف الطريق ، فاستمر ماشياً على الشفق و بياض طرق الأقدام في الطريق ، وعندما وصله جوار المدافن  شعر بقشعريرة شديدة في جسمه فشعر بالخوف ، وكان من شدة الخوف يحس بأن شعر رأسه قد استقام كالمسامير و رفع العمامة من فوقه.
  • فكان يضع يده على العمامة و يضغطها على رأسه كي تستقر ، قال : حينها توقفت عن المشي واستقمت واقف و جسمي ينتفض رعشة ، مباشرةً مشيت نحو أحد المدافن كي أدخل لأبات فيه إلى الصباح ، فأنا أعرف أنها نظيفة و أبوابها قوية و محكمة ، وقد شاهدت أحداها مفتوح عند عبوري قبل سبعة أيام من جوارها صباحاً ، فوصلت باب المدفن بصعوبة لوعورة المكان و خفقان أرجلي من الخوف ، وجدت الباب مفتوح فدخلت وكنت أخاف أن اسقط في فتحة باب المدفن الموجودة بأرضية الكهف ، فأغلقت الباب وانحنيت وحبوت ، فتحسست فوهة المدفن فوجدتها مغطاه ، فانزويت إلى زاوية من زوايا الكهف و تمددت وتغطيت باللحاف الذي كان على كتفي و وضعت أغراضي جواري ،
  • سمعت صرير فئران فشممت رائحة غريبة لم أشم مثلها طيلة حياتي ، فجأة انفتح باب الكهف من تلقاء نفسه ، لمحت شبه شخصين واقفين باب الكهف ثم اختفيا ولم أسمع وقع أقدام ، قمت فأغلقت الباب إلا أنه ليس له ترباس من الداخل ، تحسست فوجدت قبضة حديد على الباب ، فأخذت طرف اللحاف و ربطته في القبضة ثم أوصلت طرف اللحاف الأخر و ربطته في قبضة غطاء فوهة المدفن و شديت ، ثم عدت لموضعي ، أشتد صرير الفئران و حدثت عملية مطاردة بينهن في أرجاء الكهف ، فسمعت حديث يدور بين اثنين خارج الباب :
  • قال الأول : هل أنت من أغلق الباب ؟.
  • رد الثاني : لا ، بل أنا من فتحه.
  • قال :  أشم رائحة أدمي .
  • رد : علينا الذهاب … ثم ساد الصمت.
  • وصمتت الفئران كذلك.
  • قلت في نفسي هؤلاء سرق يريدوا أن يسرقوا المدفن.
  • ساد الهدوء فنعست وبقيت ما بين اليقظة والمنام ، فإذا بضوء يعم الكهف ملون أزرق و أصفر و أحمر ، متداخلة شديدة الإضاءة ، كنت أغمض عيني من شدتها ، فرأيت في الجانب الأخر من الكهف أمرأة جالسة شبه عارية تمشط شعرها ، فجلست القرفصاء أنظر إليها ، أستمرت في مشط شعرها كأنها لم تكن تراني  و كأن الألوان المضيئة تفصل بيني وبينها.
  • ارتعبت و نويت الهروب من الكهف ، تحركت نحو اللحاف لفتح الباب فلم أجد للباب أثر ولا اللحاف ، تحول الكهف إلى مقصورة بدون باب ! نظرت في قاع الكهف فلم أجد فوهة المدفن ، جلست في موضعي ، فُتح باب من جوف الكهف و خرج منه شاب أمرد طويل السيقان ، جسمه أصفر كأنه يرتدي ملابس لاصقة بجسمه شفافة ، جلس بجوارها ، كانا يتبادلان الحديث دون أن أسمع كلامهما ، فقط لاحظت حركت شفتيهما.
  • اشتد الحديث و غضب الأمرد فأمسك بشعر رأسها و اعتصره إلى خلفها محاولاً جرها وإدخالها ، فرجمت المشط من يدها باتجاهي فوقع على صدري فترك حرق مكوى لا زال أثرة إلى الأن.
  • فصحت من شدة الحرق و أُغمي علي ، فأيقظتني أشعة الشمس الصباح فوجدت نفسي خارج الكهف وباب الكهف مقفل بقفل ولحافي و أغراضي جواري و كأني لم أدخل الكهف.
  • فنظرت إلى صدري فإذا بأثر الحرق و أسنان المشط مرسومة على صدري مكاوي ، فوضعت إصبعي على المكوى فألمني جداً والثوب محترق.
  • أخذت أغراضي و لحافي و واصلت المسير ، فلاحظت أن خطواتي أصبحت متباعدة جداً ، فبخطوة واحدة كنت أقطع مسافة كبيرة و كنت أحس جسمي خفيف جداً و كان شيء أخر يحملني إلى جانب قدماي ، فوصلت البيت بسرعة حيث قطعت مسافة الساعتين في ربع ساعة و أقل.
  • دخلت و وضعت الأغراض و سألتني زوجتي : أين بت ؟ فقلت : باب المدافن ، فتشت الأغراض ، وهنا كانت المفاجأة ! لا وجود للأغراض التي اشتريتها من السوق ، لا تمر و لا كبريت و لا حلوى و لا فلفل أحمر و لا صابون ، كلما كان موجود ثلاثة أحجار بثلاثة الوان ، أزرق و أصفر و أحمر.
  • أخذتهن زوجتي بيدها وقالت : هذه هي ما أحضرته لنا من السوق ؟  فالقت بها من يدها على الأرض فارتطمت بالحصير وقرعت نار شديدة بثلاثة ألوان التهمت فراش الغرفة دون أن تخلف رماد !.
  • فرت زوجتي هاربة من البيت و بقيت واقف مذهول ! انطفأت النار و تدحرجت إلى أمام قدماي الثلاث الأحجار ، انحنيت و أخذت الزرقاء فكانت باردة كالثلج ، ناعمة الملمس ، ثقيلة الوزن ، بحجم البرتقالة.
  • أخذت الصفراء فلذعت أصابعي حرارتها ، فألقيتها من يدي.
  • ثم أخذت الحمراء فكانت معتدلة.
  • لمست الزرقاء بالصفراء فقرعت نار.
  • خرجت من البيت إلى زوجتي الواقفة خارج البيت حاملاً بيدي الحجرتين الزرقاء والحمراء .
  • فقلت : هذه أحجار الكبريت أحضرتها لك كي تشعلي بها التنور بدلاً عن الكبريت ، وقمت بقرع الأحجار أمامها و أشعلت الحطب في التنور. صدقت زوجتي ما أخبرتها به فأخذتها و وضعتها في النافذة .
  • بعد الظهر ذهبت زوجتي لجمع الحطب ولم تعد فذهبت بعد المغرب للبحث عنها فلم أجدها.
  • عدت إلى البيت وبحثت عن الأحجار فلم أجدها ، و في الصباح وجدنا جثة زوجتي محترقة متفحمة في المكان الذي كانت تجمع الحطب منه ، بعدها عشت مشلول عن الحركة كما تراني الأن.
  • سألته : هل لك أولاد ؟.
  • قال : لم أكن قد خلفت و أيضاً لم استطيع أن أتزوج بعد موت زوجتي كوني مشلول عن الحركة ، إلا أني باستمرار أحلم بأن لي زوجات أنام معهن و أضاجعهن و هن معروفات لدي ، هن نفسهن لا يتغيرن في كل الأحلام ، ثلاث  و كل واحدة لديها ولد تنسبه إلي ، وعندما أكون معهن أشعر بأني سليم الأعضاء و قادر على الحركة.
  • وعندما يشتد بي الغضب يغشاني النعاس فأنام و أحلم ،  وعندما استيقظ أجد نفسي مرتاح المزاج.
  • – هل الذي كانت تمشط في الكهف هي أحد زوجاتك الذي تحلم بهن ؟.
  • – لا ، لم أراها مرة أخرى.
  • – هل تراهن جهرة في اليقظة ؟.
  • – أراهن في المنام فقط .
  • – لا تسألني مرة أخرى ، أشعر بضيق ، و لا تبوح لأحد بما أخبرتك ، كن حذر….
  • هذه تحذيراته الأخيرة لي قبل أن يتوفاه الله ، رحمة الله تغشاه. .
  • جنازته كانت خفيفة جداً كأن لم يكن عليها جسد ، وعند حفر قبره كان هشاش يفتح تجاويف فراغ بسهولة وسرعة تم حفره ، و نبتت على قبره شجرة غريبة ذو رائحة طيبة لم يُوجد بالمنطقة شجرة شبيهه بها ،  كما أنها لا تُثمر ولا تُزهر و لا تأكلها الحيوانات ، لها أوراق خماسية و ساق يتخلله عروق كعروق ساعد اليد ، تراها دائمة الخضرة بدون أن يسقيها أحد قطرة ماء ، بعد أن مات قررت أن أزور المدافن بنفسي واطلع على حقيقتها.
  • وصلت قبل الظهر بمفردي فوجدت أبوابها مفتوحة ، فدخلت الباب الأول الذي قال المسافر أنه بات فيه ، فشممت رائحة نفاثة تشبه النشادر ، القيت بحجر صغيرة إلى المدفن فأحدثت طنين داخله وهو مظلم لا يُرى قعره ولا جوانبه ، فرأيت هيئتها كما وصفها لي المسافر ، شعرت بخفة ملحوظة للهواء داخل الكهف كأنه خف وزني فلم أشعر بثقل جسدي على مفاصلي وأقدامي ، وشبه انعدام للسمع ،
  • صرخت بصوتي  فلم يحدث صدى ، لكن بعد عدة ثواني سمعت طنين عميق يأتي من قعر المدفن ، نويت الخروج  و قبل أن اخرج سمعت مواء قط من زاوية الكهف ، التفت فشاهدت قط أسود برأس كبير وعيون هلالية ، و بسرعة سقط القط في فوهة المدفن ، فأسرعت بالخروج و لم أدخل بقية المدافن .
  • السؤال:
  • هل ما يحدث داخل المدافن له ارتباط بمن قضوا نحبهم فماتوا عند نزولهم المدافن لإخراج الحب ؟.

مقالات ذات صلة

9 تعليقات

  1. شكرا لادارة النوقع على نشر مقالي
    طاب خاطري
    واتمنا ان انال ودكم ورضاكم
    تقبلوا تحياتي ✋🌹

    1. سلام اخ فؤاد كيف الحال على مااظن انت فؤاد السقا كاتب من كتاب موقع كابوس القديم اليس كذلك

      1. أهلا أختي الفاضلة نور الهدى
        كيف حالك وآسف جدا على التأخير في الرد
        نعم أنا فؤاد من عشاق موقع كابوس القديم في الحقيقة نحن إفتقدنا مقالاتك الجميلة إن شاء الله عودة حميدة ويارب نسمع أخبار سارة عن بقية الزملاء الكرام
        أنا سعيد جدا بوجودك هنا وسؤالك
        عني
        وكل عام وانتي بخير

اترك رداً على فؤاد السقا إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحقق أيضا
إغلاق
Don`t copy text!
arArabic
Open chat
مرحباً 👋
هل يمكننا مساعدتك؟

أنت تستخدم إضافة Adblock

الرجاء اغلاق حاجب الاعلانات