تجارب مرعبة

الجن العاشق وزفاف القرية المهجورة

بقلم:سالم احمدي

هل سبق أن رأيت حلمًا يغدو حقيقة؟ أن تستيقظ لتجد نفسك ما زلت داخل الكابوس؟
صدقني… ليست كل الأبواب تُفتح على النور، وبعض الطرق حين تسلكها مرة، لا تعود كما كنت أبدًا بعدها.
في قصتنا هذه، لن أقدّم لك مجرد حكاية رعب، بل تجربة عاشها “سليم”، شاب عادي لم يتوقّع أن يجد نفسه في عالم بين الحياة والموت، بين الواقع والجنون، بين عالم البشر والآخرين الذين لا يُرَون إلا لمن كُتب عليهم أن يروهم.

كان الزواج داخل بيت قديم، والحضور جميعهم من الأشخاص القصار والملطمين، وكنت أنا العريس. ولكن، من تتوقعون أن تكون العروس؟ العروس كانت نفس الفتاة التي رأيتها قبل دقائق. المشكلة أنني لم أتمكن من رؤية وجهها، بينما كنا نجلس جنبًا إلى جنب. أما الحضور، فقد كان حالهم غريبًا؛ فبعضهم يزغرد، وبعضهم يرقص، وبعضهم الآخر يستلقي على الأرض ويمارس تصرفات غير مفهومة. لم أجد تفسيرًا لأيٍّ من ذلك حتى اقترب أحدهم مني ووضع يده على اللطمة التي كان يرتديها، محاولًا إزاحتها. كنت متحمسًا لأعرف من يكون هذا الشخص، لكن في تلك اللحظة حدثت المصيبة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
مرَّ على سليم ليالي عديدة وهو يسير في حياته بهدوء وأموره طيبة، ولكن في ليلة واحدة انقلبت الأوضاع عليه. بدأ يرى أشياء لا يفهمها، ويسمع أصواتًا مجهولة المصدر. ما حدث له هو ما سنتعرف عليه من خلال أحداث هذه القصة. وتنويه مهم جدًا: هذه القصة مرعبة للغاية، وتحتوي على تفاصيل قد لا تناسب بعض القراء. أما محبو قصص الرعب، فصدقوني، ستكون من أمتع وأفضل القصص التي ستقرؤونها.

قبل أن نبدأ، لا تنسوا الضغط على زر الإعجاب، فالكثير ممن يتابعون القصص ينسون ذلك. كما أن الذين لم يشتركوا في القناة حتى الآن، أنتم مدعوون للانضمام إلينا. وأود أن أخبركم بشيء مهم: يوم الخميس الموافق 2 أكتوبر، بعد أسبوعين من الآن، سأكون متواجدًا في معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث يمكنكم مقابلتي والتقاط الصور والتوقيع على الكتب. سأكون متواجدًا في الأيام الثلاثة الأولى، وإذا كان الإقبال جيدًا، سأمدد فترة التواجد. لمن يريد متابعة التفاصيل، يمكنكم متابعتي على حساباتي في إنستغرام وسناب شات لمعرفة مكان المعرض وبقية التفاصيل.

والآن، حضّروا أنفسكم، وهيئوا الجو المناسب، وتحصنوا ورددوا معي: “بسم الله، وأعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”، ولنبدأ القصة.

أنا سليم، شاب بسيط، ولدت في عائلة مكونة من ثمانية أشخاص، وكنت الابن الأوسط بينهم. لدي ثلاثة إخوة أكبر مني واثنان أصغر مني. كانت حياتي في البداية بسيطة وهادئة، أخرج للعب مع أصدقائي في الحي، وكل شيء كان على ما يرام.

لكن بعد تخرجي من الثانوية ودخولي الجامعة، تغيرت حياتي. لم تُقبل طلباتي للتخصصات التي أحببتها، وتم قبولي في تخصصات لا أرغب بها، بما فيها الدراسات الإسلامية، بينما كنت أريد تخصص التربية البدنية، فهو المجال الذي أحب. نصحني صديقي جواد، الأكبر مني بسنتين، أن أركز في السنة الأولى وأحقق معدلًا عاليًا لأتمكن لاحقًا من تحويل تخصصي. وبالفعل، بذلت قصارى جهدي، ونجحت في تحقيق معدل مرتفع جدًا، ما مكنني من الانتقال إلى التخصص الذي أحب.

المشكلة الآن كانت أن تخصص التربية البدنية غير متوفر في فرع محافظتي، لذا اضطررت للانتقال إلى محافظة أخرى، بعيدة حوالي 350 كيلومترًا، حيث لم يكن لدي أي معرفة بهذه المحافظة، ولم يكن هناك أي من أصدقائي يدرس فيها. ومع كل ذلك، لم أتوانَ عن متابعة حلمي، وصليت صلاة الاستخارة، ورضيت بالانتقال للدراسة هناك.

عندما بدأ الفصل الدراسي الثاني، استقلت سيارتي القديمة المتعبة، متوجهًا نحو المحافظة الجديدة. كانت الليلة مظلمة، والطريق صعب، وكنت أخشى تعطل السيارة في مكان مهجور. وقد اجتزت المئة وخمسين كيلومترًا الأولى بسلام، لكن عند المئة وخمسين كيلومترًا التالية، لاحظت شيئًا غريبًا: طفل صغير يجلس على صخرة، منكس الرأس، محتضنًا رجليه. نزلت من السيارة وسألته، وإذا به يرفع رأسه ويتحدث بصوت عميق وكأنه رجل مسن رغم صغر سنه، قائلاً لي: “اذهب من هنا”. شعرت حينها بالخوف الشديد، وأسرعت بالقيادة.

ومع زيادة السرعة، تعطلت السيارة بسبب ارتفاع الحرارة، ووقفت في منتصف الطريق المظلم، محاطًا بالصخور. لم يكن هناك أي مارة، ولا أي علامات إرشادية. بعد محاولات طويلة لإصلاح السيارة، ظهر شخص قصير، يرتدي شالًا يغطي وجهه، وعيناه مفتوحتان بلا رمش. عرّف عن نفسه باسم “أبو جندل”، وقدم لي المساعدة، حيث قام بسحب سيارتي على الشاحنة الخاصة به إلى قرية صغيرة اسمها “أم الجماجم”.

القرية كانت مهجورة تقريبًا، لكن أبو جندل أتم المهمة وأوصلني إلى الطريق الذي يؤدي إلى المحافظة الجديدة. خلال الرحلة، شاهدت فتاة تقف على جانب الطريق، مغطاة بالعباءة، وشعرت ببرودة شديدة في أطرافي. رغم كل هذه الأحداث الغريبة، واصلت السير حتى وصلت المحافظة، حيث كان مبنى الجامعة الجديد صغيرًا ويشبه المدرسة العادية، ولا يوجد فيه سكن للطلاب.

هناك تعرفت على طالب آخر يُدعى عبيد، جاء من الفرع الرئيسي للجامعة، وكان وضعه مشابهًا لوضعي تمامًا. اتفقنا على السكن معًا أثناء الدراسة، والتنسيق للحياة اليومية في المحافظة الجديدة

وكنتُ مضطرًا للبقاء في تلك المحافظة، لذلك قررنا أنا وعبيد أن نسكن معًا. وبعد أن انتهينا من تناول الغداء بدأنا ندوّن أرقام الهواتف المعلّقة على اللوحات التي تحمل عبارات مثل: شقة للإيجار أو غرفة للإيجار. وأخذنا نتصل بأصحابها واحدًا تلو الآخر، ولكن للأسف، كان الجميع يرفض تأجير العزّاب، ولا يقبلون إلا العائلات. فوقعنا في حيرة: إلى أين نذهب؟ وأين نسكن؟

لم نجد حلًا سوى البحث بأنفسنا. فدخلنا بعض الأحياء القديمة في تلك المحافظة نسأل المارة. وفجأة، رأينا عاملًا من جنسية آسيوية يجلس وحده أمام أحد البيوت القديمة، وكان منظره غريبًا. توقّفنا عنده وسلّمنا عليه وسألناه عن إمكانية وجود سكن للعزّاب. فأجابنا مباشرة بأنه يعرف مكانًا مناسبًا، وأن أحد أصدقائه يسكن هناك. فسألته عن الموقع، فبدأ يصف لنا الطريق.

سرنا في الاتجاه الذي وصفه حتى خرجنا من حدود المحافظة تمامًا، وكأنّنا نسير في الجهة المقابلة للجامعة. كانت المسافة بعيدة جدًا، لكن لم يكن لدينا خيار آخر، فقلنا نجرب لعلّ السكن يناسبنا.

وحين وصلنا إلى هناك، فوجئنا بأن المكان أشبه بمصنع قديم، وفي داخله غرف من نوع البركسات، كما يُستخدم عادة لسكن العمال. بدا المكان مهجورًا، لا محالّ تجارية، لا محطة وقود، ولا أي أثر للحياة حوله. فسأل عبيد مترددًا:
“يبدو أن هذا المكان لا يصلح. فلنغادر.”
لكنني قلت له: “طالما وصلنا، فلنلقِ نظرة فقط.”

نادى عبيد بصوت عالٍ، ولوّح بيديه، وأطلق منبّه السيارة، لكن لم يجبنا أحد. الجو كان ساكنًا بصورة لا تطمئن. وبينما نحن نراقب الغرف بصمت، انفتح باب السيارة من جهتي فجأة! التفتُّ بفزع فإذا بعامل بملامح شاحبة، أسنانه مكسورة ورائحته كريهة بشكل لا يُحتمل. قال إنه مسؤول عن المكان، وإن زميله أخبره أننا قادمون. وهذا ما أثار ريبة في نفسي: كيف بلغه الخبر بهذه السرعة؟

أرشدنا العامل إلى الغرف، وكانت خمس غرف تقريبًا. دخلناها واحدة تلو الأخرى، ووجدناها مناسبة: نظيفة نسبيًا، وفيها فرش وبطانيات ومكيفات تعمل. وكان المبلغ المطلوب للإيجار زهيدًا جدًا، فوافقنا على الفور.

عدنا بعد ذلك إلى المحافظة لأجلب سيارتي التي تركتها عند المحطة، ثم عدنا إلى السكن. كنا مرهقين، فدخلنا الغرفة ونمنا. استيقظت في الساعة الثامنة مساءً، ولم أجد عبيد معي. خرجت أبحث عنه فلم أر سيارته أيضًا. والأغرب أننا نسينا أن نتبادل أرقام الهواتف! حاولت أن أطمئن نفسي، وقلت ربما اضطر للخروج بسبب ظرف ما، فجلست عند باب الغرفة أنتظره.

المكان كان صامتًا بشكل غير طبيعي. مصنع مظلم، لا يتحرك فيه شيء سوى ضوء خافت ينبعث من غرفة العامل. انتظرت طويلًا حتى يأست ودخلت الغرفة من جديد لأرتاح. وما إن وضعت رأسي حتى سمعت طرقًا على الباب. فتحت ولم أر أحدًا. أغلقته، فطرق الباب مرة أخرى. هنا أدركت أن ما يحدث حقيقي وليس وهمًا.

فتحت الباب بثبات هذه المرة، ونظرت باتجاه مدخل المصنع. فرأيت رجلًا حسن المظهر، يرتدي ثيابًا نظيفة، يقف هناك دون أن يتحرك، يحدّق نحوي مباشرة. لم يكن الأمر طبيعيًا. شعرت أن الدم قد تجمّد في عروقي.

اتجهت بسرعة إلى غرفة العامل. طرقت الباب، فانفتح بسهولة، لكن الغرفة كانت فارغة تمامًا، بلا أثاث، ولا أجهزة، كأن أحدًا لم يسكنها قط. عندها أيقنت أنني في خطر.

عدت مسرعًا إلى غرفتي، أخذت هاتفي ومفاتيح السيارة، وهربت. وبالقرب من بوابة المصنع اختفى الرجل فجأة كأنه لم يكن موجودًا.

وصلت إلى المحطة وأنا في حالة هلع. رآني عامل يمني يعمل فيها، فاقترب مني وسألني عن حالي. وحين أخبرته بما حدث، قال بذهول:
“يا رجل! ذلك المصنع مهجور منذ أكثر من عشرين عامًا، ولا يسكنه أحد!”

حينها أدركت حجم ما وقعت فيه، وأن عبيد لم يهرب إلا بعد أن رأى ما لا يستطيع أحد احتماله. بقيت تلك الليلة في سكن قريب دلّني عليه العامل اليمني، ولم أنم إلا بصعوبة شديدة.

ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني صداعًا متواصلًا، وتنميلًا في أطراف جسدي، كأن شيئًا من ذلك المكان لا يزال يطاردني

كنت جالسًا في غرفتي حين سمعت صوت خطوات عالية، تأتي من الممر الذي يربط بين الغرف. في البداية لم أفتح الباب، ظننت أنها أحد العمال، لكن بعد دقائق قلت في نفسي: «مستحيل، فالعمال عادةً يكونون نائمين في هذا الوقت». شعرت بالفضول والقلق معًا، فقررت فتح الباب ببطء لأرى مصدر الصوت.

ما أن فتحت الباب حتى استنشقت رائحة عطر قوية وغريبة، لم أشم مثلها من قبل، فدفعتني الرغبة في المعرفة إلى الخروج والمشي في الممر. كان الممر طويلًا، تقابل الغرف على يمينه ويساره، والسقف مفتوح، بحيث ترى السماء فوقك مباشرة. وبينما كنت أتحرك، شعرت أن أحدًا يطل من خلف باب أحد الغرف، ثم يختفي بسرعة.

اقتربت أكثر بحذر، وفجأة ظهر أمامي فتاة تبلغ حوالي الثامنة عشرة من عمرها، بكامل زينتها، ترتدي كعبًا عاليًا، وعطرها يفوح برائحة العود. شعرت بصدمة كبيرة، تجمدت مكاني، لكن الفتاة مشت في الممر بخطوات غريبة، متباعدة عن بعضها بطريقة غير طبيعية، ثم اختفت خلف الغرف ولم أرها مرة أخرى.

الغريب أن فور اختفائها شعرت بانحسار الرعشة والخمول والصداع الذي كنت أعانيه. رغم خوفي الكبير عند رؤيتها، شعرت براحة غريبة بعد رحيلها.

بعد ذلك، عدت لغرفتي وحاولت النوم، لكن رأيت كابوسًا غريبًا: كنت في حفل زفاف داخل بيت قديم، والحضور جميعهم قصار القامة وملطمين، وكنت أنا العريس. العروس كانت نفس الفتاة التي رأيتها قبل قليل، لكني لم أتمكن من رؤية وجهها. كان الحضور يتصرفون بطريقة غريبة؛ بعضهم يزغرد، وبعضهم يرقص، والبعض الآخر يستلقي على الأرض. وفجأة اقترب شخص منهم ووضع يده على اللطمة التي يغطي بها وجهه، وحينها استيقظت من الكابوس.

ما أن استيقظت حتى شممت نفس رائحة العطر، وكانت تفوح في الغرفة بالكامل، والباب كان مفتوحًا رغم أني أغلقته قبل النوم، والكهرباء انقطعت فجأة. شعرت حينها بالخوف الشديد، ولم أعد أستطيع التحمل.

اتصلت بصديقي جواد في وقت متأخر من الليل، وأخبرته بكل ما حدث معي، من الطريق الذي تعطلت فيه سيارتي، إلى الكابوس ورائحة العطر، وحتى الفتاة الغامضة. خاف هو أيضًا، لكنه حاول طمأنتي، قائلاً إن ما أشعر به طبيعي بعض الشيء بسبب بعدي عن أهلي والتوتر الزائد. وأضاف أن التجربة نفسها حصلت له عند ابتعاده عن أهله.

مع كل هذه الأحداث الغريبة، بدأت أستعيد صور الأشخاص الأقزام في الكابوس، ونظراتهم الغريبة، وتذكرت كيف رأيت الفتاة مع أبو جندل في الخارج، وتساءلت عن علاقته بها. شعرت أن كل شيء متشابك بطريقة غريبة، وأن ما يحدث معي ليس طبيعيًا على الإطلاق.

في اليوم التالي، وبينما كنت جالسًا عند باب غرفتي قبل أذان الفجر، حدث شيء لم أستطع تفسيره: فقد سمعت الأذان، وفجأة كأن العالم تحول، ورأيت سوادًا شديدًا، وفي وسطه نورًا أحمر، وحين اقتربت من النور وجدت نفس الفتاة جالسة في وسطه. حولي كان العمال الذين أعرفهم، ينظرون إلي بطريقة لا أستطيع تفسيرها، بعضهم يستغفر، وبعضهم يقول «لا حول ولا قوة إلا بالله».

في تلك اللحظة أدركت أن ما يحدث معي ليس صدفة، وأنني دخلت عالمًا غامضًا مليئًا بالأحداث الغريبة والكوابيس الحية، وأن كل من حولي، من الفتاة إلى العمال وأبو جندل، مرتبط بطريقة أو بأخرى بما يحدث لي، ولم أعد أعرف ماذا أفعل أو كيف أتصرف

بعد كل ما حدث معي، شعرت بالهلع الشديد وفقدت السيطرة على نفسي. صرخت في العمال الذين كانوا حولي، كالمجنون، مستفسرًا عن كل ما يحدث معي، محاولًا فهم ما يحدث. فجأة، جاء إلي عامل سوداني، يبدو ملتزمًا، وملامحه مقبولة ووجهه فيه وقار. مد يده لي وسحبني عن الأرض، وقال لي بهدوء: «قوم وتعال معي».

بدأنا نمشي معًا، وهو يسألني عن اسمي وعمري وعن سبب وجودي في هذه المنطقة. أخبرته بكل شيء عني، وكان واضحًا أنه يحاول تهدئتي من الصدمة والرعشة التي كنت أعانيها، فقد كنت أرتجف من الداخل وكأن جسمي متجمد من الأطراف، رغم أن الحرارة من حولي طبيعية.

قال لي إنه اسمه إبراهيم، وأراد أن يأخذني للمسجد لأصلي الفجر. ولأكون صادقًا معكم، كنت مقصرًا جدًا في الصلاة، لدرجة أن أسابيع وشهور تمر دون أن أصلي ركعة واحدة، وحتى عندما كنت مع أهلي، كنت أصلي فقط لأجل النظر إليّ من قبل والدي، وغالبًا بلا وضوء وبلا نية حقيقية.

أخذني إبراهيم للمسجد، وعلمني الوضوء، وصليت معه الفجر جماعة. بعد الصلاة جلسنا سويًا، وبدأ يسألني أكثر عن حياتي وإهمالي للصلاة، وعرفت منه أن التزامي بالصلاة هو المفتاح لحل ما يحدث معي من أمور غريبة. نصحني بالاستمرار في الصلاة لفترة طويلة، وأكد لي أن كل الأمور ستتحسن حين ألتزم بها.

بعد تلك اللحظة، التزمت بالصلاة، وحسيت براحة داخلية لم أشعر بها منذ زمن. مرت أربعة أيام، وكانت من أفضل أيام حياتي، حتى جاء وقت الويكند، وذهبت لزيارة أهلي لأطمئنهم على حالي. أثناء زيارتي، أعطاني والدي سيارته الجديدة لأستخدمها بدل السيارة القديمة. قضيت عندهم يومين ممتعين، ثم عدت إلى المحافظة التي أدرس فيها.

ولكن الخوف لم يتركني. في الطريق، وكنت متجهًا إلى الجامعة، شعرت أن المواقف الغريبة قد تتكرر. وفجأة، ظهر أمامي نفس الرجل الذي رأيته سابقًا عند بوابة المصنع القديم. كان واقفًا في منتصف الطريق، وانعكاس ضوء السيارة أتاح لي تمييزه جزئيًا، لكن ملامحه كانت غير واضحة وكأنها ممسوحة. شعرت برعب شديد، فتمسكت بالإيمان، صرخت مستعيذًا بالله، وأكملت طريقي، وفجأة اختفى الرجل كما لو لم يكن موجودًا من الأساس.

بعدها، شاهدت نفس الفتاة الغامضة واقفة عند الشجرة، وكأنها مرتبطة بها. أدركت أن الطريق مسكون، وأن الأحداث تتكرر. ضغطت على البنزين بسرعة، حتى وصلت إلى قرية «أم الجماجم»، وهي مهجورة منذ سنوات. رأيت أن بيت العجوز الوحيد كان مسكونًا، وبقية البيوت خالية.

في المحافظة، خطرت لي فكرة استغلال سيارة والدي للعمل في السوق الشعبي يوم السبت، لأكسب بعض المال، وبدأت أوصل كبار السن الذين يحتاجون نقل أغنامهم أو بضائعهم. في إحدى الرحلات، صادفت عجوزًا كبيرة في السن، جالسة عند مدخل السوق، يبدو عليها التعب وهموم الحياة. ساعدتها في حمل الأغراض، وعندما أمسكت يدها، شعرت بشيء غريب؛ كانت يدها خشنة، وكأنها يد رجل، ومع ذلك لم أجرحها ولم تتأذى.

ركبت العجوز معي السيارة، وبدأنا الرحلة، وكانت العجوز تصف لي الطريق بطريقة غريبة، مكررة المنعطفات والممرات الغامضة. طوال الطريق لاحظت قوة نظرها، رغم أن عينها اليمنى بها عيب، إلا أن عينها الأخرى كانت حادة جدًا، قادرة على رؤية كل شيء.

وصلت إلى القرية، وقفت عند آخر بيت، وسلمت الأغراض، وفجأة ظهر أمامي الولد الذي رأيته سابقًا في الطريق المظلم، يحمل الأكياس بنفسه. شعرت بصدمة كبيرة، كيف علم هذا الولد أنني كنت هنا؟ ولماذا يظهر في كل مرة؟ نظراته كانت غريبة، وكأن رقبته ملتوية، ولكنني لم أتوقف، دقيت الريموت وابتعدت عن المكان بسرعة، محتفظًا بمسافة آمنة، والبيت الوحيد المأهول كان بيت العجوز التي أنزلتها قبل قليل.

وأثناء عودتي، مررت بطريق مظلم، معظم أعمدة الإنارة فيه معطلة، وفجأة رأيت زوجين يقفان تحت عمود واحد شغال، يلوحان بأيديهما، كأنهما بحاجة لمساعدة. توقفت لهما، وعرفت أنهما يريدان التوصيل إلى نفس القرية التي نزلت فيها العجوز، لكنهما لم يتحدثا، كانا صامتين طوال الرحلة، وأنا غارق في الحيرة من كل ما يحدث

بعد ركوبهم معي في السيارة، جلست أمامي الرجل، ووراءي المرأة. في لمحة خاطفة، نظرت في المرايا الخلفية، وفوجئت بالمرأة تحدق بي بعين حمراء، تخرج منها شرارات غريبة. الخوف سيطر عليّ، والرجفة التي شعرت بها سابقًا عادت بشكل أقوى، لدرجة أني لم أستطع التحكم في الدركسون. وهم جلسوا ساكنين، ينظرون أمامهم وكأنهم متجمدون.

وصلنا أخيرًا إلى القرية، وأمرني الرجل بالذهاب إلى آخر بيت فيها، وكان واضحًا أن هذا هو بيت العجوز الذي أنزلتها من السوق مسبقًا. توقفت السيارة، وأنا عاجز عن الرغبة في أخذ أي شيء منهم حتى الفلوس لم أرغب فيها. الرجل قال لي بنظرة حادة: «أنا ماني قلت لك، مالك إلا بياض الوجه». سألته: «ماذا تقصد؟»، فرد: «انزل واتفضل معي في البيت، وما لك إلا ما يبيض وجهك».

لحظة دخولي البيت شعرت بالصدمة، فالبيت كان مليئًا بالحياة، أولاد وبنات يلعبون، والعجوز كانت تجلس على الأرض وتعجن في صينية قديمة. كل من في البيت كان ساكنًا على الصامت، ولا أحد يتكلم، وكأنهم يعيشون في عالم مختلف. أخذني الرجل إلى المجلس، وجلسني، ثم أتى بفنجان شاي ساخن جدًا. شربت الشاي رغم الحرارة الشديدة، وشعرت كما لو أن حلقي ينقطع من شدة الحرارة، حتى دخلت في حالة إغماء قصيرة.

عندما صحوت، لم أجد أثاثًا في الغرفة، والبيت بدا مهجورًا تمامًا، كما لو أنه لم يسكن منذ سنوات. فجأة، بدأت أسمع صوت زغاريد نساء ودق طبول، وصوتهم يقترب ويحيط بي، وبدأ الأطفال يضحكون ويرقصون بطريقة غريبة، وكانوا يأخذونني للجلوس في كرسي وسط الحوش، وكأنني جزء من طقس غامض.

في تلك اللحظة، رأيت الفتاة التي كانت مربوطة في الشجرة قبل أيام، جالسة بجانبي، وعرفت أن كل ما كنت أراه من قبل ليس حلمًا. ثم رأيت شخصًا قرب وجهي، رفع الغطاء عن وجهه، وكان أبو جندل. وجهه كان مشوهًا بشكل مرعب، وكأنه تعرض لحروق من الدرجة الأولى، وعرفت حينها أن المنطقة محاطة بالجن، والحدث كله جزء من خطة مخيفة لاستدراجي.

حاولت النهوض، لكن شعرت بالدوخة والضعف الشديد، وكأنني ملتصق بالأرض. ثم صحوت بعد مدة طويلة على نور الشمس، ووجدت نفسي في نفس البيت، لكن هذه المرة خاليًا تمامًا من الحياة، وكأن كل ما حدث كان استدراجًا من الجن. حاولت الخروج، لكن الباب كان مقفلاً، والبيت مهجور منذ عقود، والسيارة التي تركتها عند الباب اختفت.

مشيت على رجلي، منهكًا، وسط طريق ضيق مظلم، بين أعمدة إنارة متقطعة، وكنت أسمع ضحك الأطفال وزغاريد النساء ودق الطبول يرافقني في كل خطوة. وعندما اقتربت من الطريق الرئيسي، ظهر أمامي نفس الرجل والمرأة الذين رأيتهما مسبقًا، يلوحان بأيديهما كما لو كانا يعرفان أني سأمر. مررت بجانبهم، وفجأة اختفوا كما لو لم يكونوا موجودين من الأساس.

كنت منهكًا تمامًا، ورميت نفسي على الأرض، حتى مرت سيارة وانتبهت لحالتي، ونزل صاحبها ليساعدني. وعرفت من صوته أنه إبراهيم، العامل السوداني الذي ساعدني سابقًا. حملني إلى السيارة، وأعطاني الماء، وببطء بدأت طاقتي تعود.

عندما وصلنا المستشفى، أخذوني للفحوص، وأخبرني الطبيب أن الجامعة أبلغت عن اختفائي بعد أن غبت أسبوعًا كاملًا، وأن عميد الكلية تواصل مع والدي لمعرفة أمري. وعندها فهمت أن كل ما مررت به خلال الـ23 يومًا الماضية كان واقعًا حقيقيًا، مليئًا بالرعب والغموض، ولم يكن حلمًا كما ظننت

بعد أن اكتشف والدي خبر اختفائي، لم يكن يعلم أين أنا بالضبط. استنفَر على الفور، وبدأ بالبحث عني في كل مكان، ولم يجد أي أثر لي. اضطر بعد ذلك إلى إبلاغ الشرطة، التي بدأت بالتحري والبحث لمدة أسبوعين كاملين، لكن دون جدوى. الحمد لله، تمكنت أخيرًا من العودة، لكني كنت في حالة صحية سيئة جدًا، ومريضًا بشكل غير بسيط.

في المستشفى، وصل والدي ووالدتي وإخوتي بعد أربع ساعات، وكانوا جميعًا يبكون على وضعي. كنت مصدومًا من سرعة الأحداث التي مرت بي. حضر الضابط المسؤول مع رجال الأمن وبدأ يسألني عن مكاني وسيارتي، وكنت أصف لهم كل ما حصل معي بالتفصيل. إبراهيم، العامل السوداني الذي رافقني سابقًا، كان موجودًا وشرح لهم كل شيء، فقال الضابط إنني على الأرجح كنت تحت تأثير مس من جن عاشق.

بعد سماع الأمر، انصدم والدي، وبدأ إبراهيم يوضح له أن السبب كان ضعف إيماني وعدم انتظام صلاتي، مما سمح للجن بالتلبس بي. المكان الذي كنت فيه سابقًا، الغرفة في المصنع، كان نقطة البداية، حيث بدأت الحوادث منذ ذلك اليوم. إبراهيم أوضح كيف أن الجن قام بتمهيد الطريق لاستدراجي منذ البداية، بدءًا من الطريق المجهول، وظهور الولد الذي لاحقني، وصولًا إلى البيت الذي انحبست فيه 23 يومًا.

حتى أبو جندل الذي ساعدني، إبراهيم يعتقد أنه قد يكون جزءًا من الجن، لكنه لا يمكن تأكيد ذلك. كل الأحداث، بما فيها ظهور البنت المربوطة بالشجرة، المرأة التي واجهتها، وحتى العجوز التي أوصلتها للقرية، كانت جزءًا من خطة الجن لاستدراجي. حتى قرية “أم الجماجم” التي زرتها، مهجورة منذ أكثر من 60 سنة، وكل من واجهتهم هناك لم يكونوا بشرًا.

بعد عودتي إلى المحافظَة الأساسية، بدأت أعراض التعب تعود لي، مع صداع مستمر وأحيانًا ضحك بلا سبب. والدي قرر أن يأخذني إلى أحد المشايخ لمعالجة الأمر. جلسنا جميعًا مع الشيخ، وأثناء قراءة القرآن، بدأت أرى نفس الأصوات والظواهر التي شاهدتها ليلة الزفاف: طبول، زغاريد، وضحكات أطفال، لكن هذه المرة كانوا يحترقون بالنيران ويختفون تدريجيًا.

الجن العاشق الذي كان متلبسًا بي رفض أن يتركني، وكانت الفتاة التي كانت بجانبي تصرخ وتقاوم النار، إلى أن تبخرت وتحولت إلى رماد. بعد هذا الحدث، أحسست بالراحة، وأيقنت أنني تحررت من تأثير الجن العاشق، رغم أن الشيخ أكد أنني ربما لن أتمكن من الإنجاب بسبب الأذى الذي سببه.

الشيخ أعطاني تعليمات دقيقة: دهن جسدي يوميًا بزيت الزيتون، شرب الماء، وقراءة سورة البقرة كاملة بصوت عالٍ في الغرفة. التزمت بهذه التعليمات لمدة شهر، والحمد لله تغيرت نفسيتي بالكامل، وأصبحت محافظًا على صلاتي، وتحسنت حياتي بشكل كبير.

بالنسبة للدراسة، أجلت ترمًا كاملاً، وطلبت نقلًا من الجامعة التي حدثت فيها هذه الأحداث، وعدت إلى محافظتي الأصلية. درست تخصص الدراسات الإسلامية، حفظت القرآن الكريم، وأصبحت الآن معلمًا للمواد الدينية وإمامًا لمسجد الحي، ومتزوجًا منذ خمس سنوات. لم أرزق بمولود بعد، وأتمنى دعاءكم لي بذلك.

أما بالنسبة لعبيد الولد الذي عرفته في الجامعة، فلم أتمكن من العثور عليه، وكأن الأرض ابتلعته، والله أعلم بحاله.
نصيحتي للجميع: القناعة بقضاء الله وقدره أمر مهم جدًا. حتى الأمور التي تبدو صغيرة، غالبًا ما تحمل خيرًا كبيرًا. قصتي هذه مثال حي على ذلك، فالتجربة المرعبة التي مررت بها كانت سببًا في توجيهي نحو الخير والهداية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحقق أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
ممنوع نسخ النصوص!
arArabic

أنت تستخدم إضافة Adblock

الرجاء اغلاق حاجب الاعلانات