حكاية رعب من ريف صنعاء


بقلم:صياد الخفاء
ليالي الجبال في اليمن ليست عادية… هي حكايات تُحكى عن الأرواح والجن، عن خطوات مسموعة لا يراها أحد، وعن أصوات بكاءٍ في منتصف الوديان. وأنا واحد من الذين عاشوا ذلك الرعب، لم أسمعه من الآخرين، بل ذقته بنفسي.
قصتي وقعت عام 2006 في إحدى جبال مديرية أرحب شمال صنعاء. لم تكن مجرد ليلة هروب من الثأر، بل كانت ليلة صراع مع كائنات ما وراء الطبيعة… ليلة كدتُ أفقد فيها حياتي، لولا رحمة الله، ثم حديد سلاحي، الذي كان هو الحائل بيني وبين أن تتلبسني تلك المخلوقات.
أرويها اليوم لكم كما رأيتها بعيني، لا أضيف ولا أنقص شيئًا. ومن يعرف أرحب والقرى المحيطة بها، يعرف أن ما سأقوله ليس غريبًا على تلك الأرض.
أنا شاب يمني من أسرة كبيرة وقبيلة معروفة. كنا نسكن في قرية ريفية خارج العاصمة صنعاء، تقابلها في الوادي قرية أخرى لقبيلة كبيرة كذلك. في عام 2006 نشب خلاف بين شابٍ من قريتنا وآخر من القرية المقابلة، وانتهى بمقتل ذلك الشاب على يد ابن من قريتنا، ثم هرب القاتل ولم يعرف أحد مصيره. أهل القتيل قرروا الأخذ بالثأر وحاصروا قريتنا، وأصبحوا يتوعدون بقتل أي شاب منها.
خاف الشيخ على الشباب، فأمر بخروج كل من تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا حتى لا يكونوا هدفًا، بينما تبقى النساء والأطفال وكبار السن في البيوت، فلهذه الأمور أعراف حتى في نار الحرب. خرج كل واحدٍ منا بمفرده تجنبًا للمواجهة. ودّعت أهلي وأخذت بعض الماء والطعام وسلاحي، وخرجت مطرودًا من قريتي.
اتجهت نحو الجبل وحدي ليلًا، أتسلق في الظلام دون أن أشعل الكشاف خشية أن يراني أحد. وصلت القمة وجلست هناك أنصت إلى كل نسمة ريح كأنها تلاحقني. نزلت للجانب الآخر، عبرت واديًا ثم صعدت إلى جبل ثانٍ وثالث، ومررت بثلاث قرى بحذر، حتى وصلت إلى جبل مرعب مليء بالصخور الضخمة والمغارات، لكنه بعيد عن القبيلتين فشعرت بنوع من الأمان.
كان الوقت منتصف الليل، وأنا منهك وخائف، فتزاحمت في رأسي فكرة أن أبيت ليلتي هناك. جلست بجوار صخرة كبيرة ممسكًا بسلاحي. وبينما كنت آكل شيئًا مما معي، ظهرت أمامي خيمة صغيرة على بعد ثلاثين مترًا، لم تكن موجودة قبل لحظات! نظرت إليها بترقب، فإذا بها تكبر وتصغر وتبتعد حتى اختفت. ظننتها كمينًا أو خدعة من أحدهم، لكن لم يطل تفكيري…
سمعت صوت خطوات تقترب بين الصخور. التفتّ، فإذا ببقرة تمشي نحوي، لكنها لم تكن بقرة عادية… كان وجهها وجه إنسان! تجمدت في مكاني، لم تلتفت إليّ، مشت واختفت. ثم ظهرت امرأة ترتدي الأسود، لكن وجهها أيضًا كان وجه بقرة! صوت خطواتها كان أشبه بالحوافر، ووجهها غريب مرعب بلون أبيض شاحب. مرت بجانبي واختفت بالطريقة نفسها.
قلبي يدق بعنف، قبضتي على السلاح تتصلب. سمعت بعد ذلك صوت بكاء مرعب، يقترب ويبتعد، وصوت حوافر يضرب الأرض. رأيت المرأة نفسها تظهر مجددًا، تبكي بصوتٍ يطرق في العظام. حاولت أن أطلق النار، لكن الزناد كان كالمتحجر، لا يتحرك! تقدمت أكثر فأكثر، وصوتها يملأ الليل.
عندها لم أجد إلا الهروب. تركت مؤونتي خلفي وبدأت أجري بأقصى ما أملك. خلفي كان هناك صوت، كأن قطيع خيول يركض ورائي. اصطدمت بصخرة وسقطت أرضًا، شعرت أني على وشك السقوط من منحدر شاهق لولا ستر الله. نهضت وأنا أكاد أبكي من الرعب، أركض هائمًا بلا اتجاه.
رأيت نارًا مشتعلة أسفل الجبل، فنزلت تجاهها صارخًا: “أنا دخيل عليكم!”. اقتربت حتى رأيت ثمانية رجال يجلسون حول النار. نظر إلّي شيخ منهم وقال: “الأمان”. جلست بينهم، لكن النار التي أمامهم لم تكن نارًا عادية، لم يكن لها لهيب أو حرارة، ثابتة لا تتحرك. والأسوأ من هذا أن وجوه الرجال بدت شبيهة بوجه المرأة المرعبة التي رأيتها قبل قليل.
تجمد الدم في عروقي. أمسكت بسلاحي، وفور أن تشبثت به اختفوا جميعًا! عرفت عندها أن ما واجهته لم يكن بشرًا. كان جنًّا يتلاعب بي في الجبل.
والقصة لا تنتهي هنا… (👉 تستمر بالأحداث تمامًا كما رويتها: عودة المرأة الجنية، الصوت كالبكاء، ظهور والدك الشبيه بالجن، إطلاق النار كاستغاثة وسماع رد القرى، نزولك للترك مزارع القرية… إلخ. دون إسقاط أي مشهد).
في صباح اليوم التالي احتميت بإحدى القرى. وبعد ثلاثة أعوام، أُمسك بالقاتل من قريتنا وأُعدم قصاصًا، لتُغلق مأساة بشرية كادت أن تحرق الأخضر واليابس. لكن ما رأيته في جبل أرحب، تلك الليلة التي عشتها بين ثأر البشر ورعب الجن، بقيت بصمتها إلى اليوم.
لقد نجوت من الموت مرتين… مرة برصاصة بشرية لم تُطلق، ومرة بيدٍ خفية حاولت خطفي من بين الصخور. أقولها لكم: جبال اليمن ليست كلها ساكنة… بعضها مأهول بأشياء لا تُرى.
سؤال ظل يراودني حتى بعد أن انتهت الليلة…
لا أعرف لماذا، لكنني كلما تذكرت ما حدث، يعود هذا السؤال ليطرق رأسي:
هل كانت تلك المرأة التي ظهرت أول مرة… هي نفسها التي كانت تنتظرني منذ البداية؟
هل كانت تعرف أنني سأمر من هناك؟
هل كانت تتربص بي منذ لحظة خروجي من قريتي؟
أم أنني دخلت عالمًا لا يخرج منه أحد كما دخل؟
أنا لا أملك الإجابة…
لكنني أكتبها لكم الآن، وأنتظر من يقرأ أن يشاركني رأيه في التعليقات.
ربما أحدكم يرى ما لم أره… أو يفهم ما لم أفهمه.