منحني ما تمنيت… ثم دمر حياتي: لعنة خاتم الجن


بقلم: المغامر المرن
أنا اسمي خالد من مدينة سوركان. في وقت أحداث هذه القصة كان عمري ثمانية عشر عامًا، وكنت في السنة النهائية من الثانوية. أنا بطبيعتي كسول جدًا في الدراسة، لا أراجع دروسي، ولا أحب الاختلاط بزملائي في القسم. كنت أعتمد على أنني سأرسب في ذلك العام لا محالة.
لكن الشيء الوحيد الذي كنت أحرص عليه هو الخروج صباحًا للجري. كان بجوار بيتنا غابة كبيرة، خطيرة إلى حد أن من يدخلها مع صديقه ثم يفترقان يصعب أن يلتقيا من جديد. في أحد الصباحات الباكرة، خرجت للجري كعادتي، وكانت الغابة خالية تقريبًا. وبينما أجري، لمحت امرأة منقبة ترتدي السواد كله، وكانت تركض هي الأخرى. لم أعرها اهتمامًا كبيرًا، فقد ظننت أنها اعتادت الجري صباحًا لتتجنب لقاء الرجال.
لكن المفاجأة أنني رأيت شيئًا يسقط منها على الأرض. اقتربت ورفعت التراب عنه، فإذا به خاتم غريب الشكل. ناديت عليها لأعيده، لكنها لم تلتفت إلي، وكأنها لم تسمعني رغم أن الغابة كانت صامتة. ربما تجاهلتني، أو ربما فزعت مني. أخذت الخاتم ووضعتُه في يدي، وعدت إلى المنزل.
عندما وصلت وجدت شيئًا لم أعتد عليه قط: أمي كانت مستيقظة وقد أعدت الفطور بانتظاري! جلست بجانبي على غير عادتها، فأريتها الخاتم وطلبت منها أن تخبرني إن كان ذهبًا. قالت: “لا، لا أظن أنه ذهب، بل يشبه القصدير.” فقلت لها: “لا بأس، سأجعله للزينة فقط.”
الغريب أن والدي استيقظ مبكرًا أيضًا وسألني إن كنت أحتاج شيئًا، وهذا لم يحدث قط. لم أعطه أهمية وخرجت إلى المدرسة، لكن المفاجآت توالت: صديقي الذي لم يكن يعيرني اهتمامًا عرض أن يقلّني بسيارة والده. ثم في القسم، جلست بجانبي الفتاة التي كنت معجبًا بها منذ زمن طويل، والأدهى أنني فهمت شرح الدرس بسهولة على عكس عادتي!
بدأت حياتي تتغير بسرعة: صرت من الأوائل في الصف، زملائي أصبحوا يحبونني، والناس يبتسمون لي. بدا وكأن الخاتم جلب لي الحظ والقبول. لكن في المقابل، بدأت كوابيسي تزداد سوءًا: كنت أرى امرأة ترتدي السواد كله، بشعر طويل، تحمل ذات الخاتم، وأحيانًا كنت أرى في الحلم أنها تقطع إصبعي الذي أضع فيه الخاتم.
مرت الأيام، ونجحت في دراستي بشكل صادم للجميع، حتى أن المعلمين أنفسهم كانوا يزورون بيتي ليتأكدوا من علاماتي. لكن الأمور المظلمة لم تتوقف: بدأت أرى رجلًا غريبًا، بلحية طويلة وملابس ممزقة، يظهر فجأة أمامي ويختفي، ثم يمسك يدي بعنف ويقول: “لماذا أخذت شيئًا ليس لك؟”
كنت خائفًا، لكني لم أتخل عن الخاتم. ازداد غروري، وظننت أنني أصبحت بطلًا خارقًا. حتى أبي، حين رفع يده يومًا ليضرب أمي، حدث له شيء غريب: يده تجمدت وكاد أن يموت وهو ممسك بمصباح الكهرباء! عندها شعرت أن الخاتم يعطيني قوة.
وفي أحد الأيام، بينما كنت أجري في الغابة، ظهرت المرأة المنقبة نفسها، لكن هذه المرة كشفت وجهها: كانت ملامحها مرعبة وعيناها جاحظتان، وقالت لي: “أعد لي الخاتم، فهو لي وحدي، وأنا فقط أستطيع أن أزيل اللعنة التي يحملها.” رفضت، وقلت لها: “سقط منك فصار من نصيبي.” عندها هددتني بأنني سأندم، فدفعتها بقوة وهربت.
منذ ذلك اليوم، بدأت حياتي تنقلب رأسًا على عقب: خسرت هاتفي ومالي بعدما سرقني بعض اللصوص، رُفضت في المنحة التي كنت أنتظرها، وصار بيتي مليئًا بالصراعات. وفي أحد الأيام انقطع التيار الكهربائي عليّ بينما كنت أستحم، وشعرت بيد باردة تمسك بعنقي في الظلام، حتى كدت أن أختنق.
خرجت مذعورًا وأنا أصرخ على والديّ، لكنهما أقسما أنهما لم يسمعا شيئًا! ومنذ ذلك اليوم بالتحديد، بدأت الأبواب تُغلق وحدها في وجهي
بعد مرور أيّام، التقيت بتلك الفتاة التي كنت معجبًا بها، والتي تدرس معي. جلست معي قليلًا، ثم قالت:
“أريد أن أخبرك بشيء… من الأفضل أن نفترق.”
لم تذكر السبب، ثم رحلت تاركة إياي في حيرة عميقة.
غضبت في داخلي وقلت: “لن أسمح لأحد بعد اليوم أن يراك بهذا الجمال، ليت وجهك يفسد اليوم قبل الغد.”
نظرت إلى الخاتم في إصبعي، وتمنيت ذلك من أعماقي.
وفي صباح اليوم التالي، استيقظت على صرخة أمي وهي تحدّق في وجهي وتقول:
“يا ويلي! ماذا جرى لك؟”
هرعت إلى المرآة، فإذا بوجهي ممتلئ بالندوب والحبوب والبقع، كأن مرضًا غريبًا ضرب ملامحي فجأة. حاولت علاجه بزيارة عدة أطباء، لكن دون جدوى. استعملت المراهم، والأدوية، لكن حالتي لم تتحسّن.
أدركت حينها أن الخاتم صار لعنة لا نفع فيه. حاولت نزعه، لكنه كان قد التصق بإصبعي التصاقًا شديدًا. في البداية، كان واسعًا ويسهل خلعه، أما الآن فقد انكمش وكأنه يرفض مفارقتي.
بدأت المصائب تتوالى: كلما لمست شيئًا بيدي انكسر أو تعطّل، حتى باب غرفتي وأدوات المطبخ صارت تتحطم حين ألمسها. زاد رعب أمي، وبدأت تظن أنني مسحور.
وذات يوم، ارتديت قبعة لإخفاء وجهي، وخرجت إلى البحر أبحث عن بعض الهواء النقي. جلست هناك أفكر في مأساتي، وإصبعي يزداد تورمًا، والخاتم يضغط حتى كاد يمنع الدم عن يدي.
فجأة، لمحته من بعيد: ذلك الرجل العجوز، الشاحب، الذي كان يلاحقني دومًا. كان يجلس بصمت ينظر إلى البحر. اقتربت منه وقلت برجاء:
“أرجوك ساعدني، لم أكن أعلم أن هذا الخاتم سيجلب لي كل هذا.”
نظر إليّ وقال:
“لقد صاروا يملكونك. ما دام الخاتم في إصبعك، فأنت تحت رحمتهم.”
قلت في ارتباك: “من تقصد؟”
قال: “إن لهذا الخاتم خُدامًا من الجن. في البداية يعطونك ما تريد، ثم ينقلبون عليك، خصوصًا إن لم تكن أهلًا لحمله.”
أخبرني أن الخاتم كان في الأصل ملكًا لعائلته، يتوارثونه جيلًا بعد جيل. أما تلك المرأة التي كنت قد وجدتها تركض في الغابة، فلم تكن إلا سارقة حصلت عليه بمساعدة ساحر مقابل المال.
ثم قال لي العجوز بصرامة:
“هناك طريقة واحدة للتخلص منه: أن تقطع الإصبع الذي يلبسه.”
صُعقت من قوله، ورحت أركض مبتعدًا عنه والدموع في عيني.
لكن المصائب لم تتوقف: والدي بدأ يثور على أمي بعنف شديد، حتى سقطت مغمى عليها. جلبنا الطبيب، فقال إن الأمر من الأعصاب. حينها ازداد يقيني أن الخاتم صار ينشر النحس على كل من حولي.
وفي إحدى الليالي، جاءتني تلك المرأة التي كنت قد وجدت عندها الخاتم أول مرة. قالت لي:
“أعرف أن الخاتم صار يجلب لك المصائب. لدي حل: سأأخذك إلى ساحر يستطيع خلعه من إصبعك، بل وقد يمنحك مالًا فوق ذلك.”
رغم خوفي، وافقت، فقد كنت يائسًا. اتفقنا أن نلتقي ليلًا في الغابة. وعندما حل الظلام، ذهبت إليها. لكنني سرعان ما أدركت أنني وقعت في فخ. فقد أُغمي عليّ، واستيقظت مقيدًا داخل كوخ مهجور، أمامي المرأة والساحر الذي كان يعدّ أدواته.
قال الساحر بابتسامة باردة:
“أنت لا تريد الخاتم؟ حسنًا… سنقطع إصبعك وننهي الأمر.”
رحت أبكي وأقرأ القرآن، أدعو الله أن ينقذني. وفي اللحظة الحاسمة، إذ بالباب يُكسر ويدخل العجوز ومعه الشرطة! أنقذوني من أيدي الساحر والمرأة، وتم اقتيادهما بعيدًا.
أخذني العجوز إلى بيته وقال:
“لا زال أمامنا أمل. سنحاول طقسًا خاصًا للتخلص من الخاتم دون قطع الإصبع، لكنه لم يُجرّب من قبل.”
أشعل شمعة بيضاء، وبدأ يقرأ تعاويذ غامضة، ثم وضع إصبعي في التراب، ثم في الماء، ثم تركه للهواء، جامعًا العناصر الأربعة. كنت أشعر بحرارة شديدة في يدي، كأنها تحترق. وبعد ساعة كاملة، بدأت يدي تستعيد طبيعتها، وفجأة انزلق الخاتم من إصبعي وسقط أرضًا!
فرحت فرحًا عظيمًا، وبكيت من شدة الارتياح. أعطيته الخاتم وقلت:
“خذه، أنا لا أريده بعد الآن.”
فقال لي: “هذا مكانه عندي، فأنا أعرف كيف أتعامل معه.”
عدت إلى بيتي سعيدًا، وجهي بدأ يعود لطبيعته، وعاد والدي إلى رشده. التحقت بمدرسة جديدة، وعدت إلى حياتي الطبيعية بعد سنوات من الرعب.
وهكذا تعلمت أن بعض الأشياء التي تلمع ليست كنزًا، بل لعنة… وأن الفضول قد يقودنا إلى أبواب مظلمة لا نخرج منها إلا بمعجزة.