kabbus.

Cemetery Guard and Jinn Consolation

السلام عليكم ورحمة الله
My name is Hussein, and I am 60 years old now. Today, I will share with you my story with the jinn when I was a grave digger. It’s a story stranger than fiction, and I still remember the details to this day.

I opened my eyes to this life in an orphanage, not knowing my parents or having any family. It was a difficult childhood, sometimes harsh. I try to push all the memories out of my mind, but how can I, when they are part of my life? The thing that truly hurts is the absence of a parent's embrace. Although the women who took care of us tried to replace a mother's tenderness and a father's affection, nothing can replace that lost warmth, which never found its way to our hearts.

Whoever has both parents alive should know that they possess a great treasure and should cherish it. And whoever's parents have passed away should pray for mercy and forgiveness for them in every prayer.

But how did I become a grave digger? And how did I even enter this profession in the first place? When I turned 16, I decided to leave the orphanage. I wanted to pave my own way and test myself in the world, but reality turned out to be much harder than I had imagined.

No one is willing to lend a helping hand except for a few kind-hearted individuals, while most people look at you with contempt and disdain. I slept in public parks and ate from trash bins. I begged for just a dirham or two to satisfy my hunger. I tried to find work, but it was all in vain.

I found myself lost and confused in the giant, unforgiving city of Casablanca. In one of the markets, I helped vendors and buyers carry their goods in exchange for a few dirhams. I felt the meaning of hardship and tasted the bitterness of homelessness. Some of the homeless, around my age, were using drugs and engaging in theft and pickpocketing. They tried to drag me along with them, but I refused, despite having little to my name. I was certain that God would open a way for me to earn a living that would shelter me until death.

One day, a homeless man snatched a woman's purse and fled. The woman reported it to the police, and the next day, a crackdown began on the homeless in the neighborhood, as they were considered a threat to the residents. I saw plainclothes police officers arrest a friend of mine, even though he hadn't done anything. He was just asking people if they needed help carrying their belongings.

I ran a lot because I didn’t want the police to catch me. I fled the market and sprinted out of the neighborhood, rushing between the streets. The escape continued until I found myself outside the city when night fell. I stood in front of a wall, not knowing what was beyond it, and looked behind me, not knowing why, but I thought the police were chasing me.

ئتسلّقت السور ثم قفزت إلى الجهة الأخرى، لأجدني داخل مقبرة! سكون رهيب، لكنه مكان آمن بالنسبة لي. هنا لن يجدني أحد. افترشت بعض الورق المقوى بين قبرين، ثم تمددت ونمت دون أن أتوجس من شيء. نمت حتى أيقظتني حرارة الشمس في اليوم التالي. ولم أكن أدري أن هذا المكان الذي أمضيت فيه ليلتي، سأعيش فيه تفاصيل قصة غريبة جدًا وأحداثًا لا تخطر على بال أحد. بابتسامته المعهودة وقال: غدًا سنبدأ العمل مبكرًا، سأبدأ في تعليمك أصول هذه المهنة، فقم من النوم باكرًا، صلِّ صلاتك وابقَ على طهارة، ثم الحق بي. في تلك الليلة وجدتني مبتهجًا، فقد يسر الله لي اللقاء بهذا الرجل الطيب الذي فتح لي بيته ويعاملني كأني ولده. ليس لي خيار آخر إلا أن أمكث معه، هذا قدري، ولنرَ ما تخبئه لي الأيام. هنا بدأت شيئًا فشيئًا أتعلم من العم عبد الله، وما هي إلا بضعة أسابيع حتى صرت مكلَّفًا مكانه بالحفر، وأصبحت معروفًا كحفار للقبور، تلك الحرفة التي اختارتني ولم أخترها. وبعد عام، بدأ المرض يشتد على العم عبد الله، فلا يخرج من بيته إلا نادرًا، فصرت أنا من يعيله هو وابنته، فما أجنيه من مال أقتسم معه، فهو صاحب فضل عليَّ وخيره دين في رقبتي. وفي ليلة من الليالي، طرقت باب العم عبد الله، ثم دخلت وجلست بقربه بعدما قبلت رأسه. لقد قررت أن أخبره، رغم أن لساني لا يسعفني، إلا أني قررت أن أخطب ابنته ربيعة. قلت له وأنا مطأطئ رأسي ونظري في الأرض، كنت قلقًا جدًا من ردة فعله، لكنه وضع يده على كتفي بحنان وقال لي: “لم نرَ منك إلا الخير، أنت شاب مكافح وطيب القلب، ولقد أحببتك كولدٍ لي، مباركٌ عليك.” فانحنيت على يده أقبلها وأنا في غاية الفرح والسرور. تم زواجي من ربيعة، لتبدأ معها صفحة جديدة من حياتي، لكن الفرحة لم تكتمل، فما هي إلا أيام حتى توفي العم عبد الله. حزنت عليه حزنًا كبيرًا، فقد كان لي بمثابة الأب، أما ابنته ربيعة، فقد أمضت فترة عصيبة بعد وفاته، لكنه الأجل الذي لا يمكن أن يُقدَّم أو يُؤخَّر. حفرت قبره بجوار قبر زوجته كما أوصاني، ودفنته بيدي، تلك سنة الحياة والاعتراض على أمر الله. تمر الشهور، وكان كل شيء عاديًا، صرت المكلَّف الرسمي بحراسة المقبرة وحفر القبور، كل الأمور كانت على ما يرام، حتى جاء ذلك اليوم الذي له ما بعده، حيث عشت أَرعب ليالٍ في حياتي، كلها شيء لا يصدقه العقل. ذات صباح، جاءني رجل يحمل في يده رُزمة صغيرة ملفوفة بغطاء سميك، سلَّم عليَّ فرددت السلام، ثم قال لي: “هل أنت السيد حسين حفار القبور؟” قلت: “نعم، أنا هو، ما الأمر؟” فقال لي إنه يحمل بين يديه سقطًا مات أثناء ولادته، لم تُكتب له الحياة. قلت له: “لا حول ولا قوة إلا بالله، اصبر واحتسبه عند الله.” تمالك الرجل نفسه وحبس دموعه، أخذت منه الرضيع الميت، لاحظت أن وزنه كان ثقيلًا شيئًا ما، كشفت عنه الغطاء كي أراه، ما شاء الله، وجهه كالقمر، كان جميلًا جدًا. بعدها جهزت حفرة صغيرة، قمت مع والد الرضيع بالصلاة عليه، ثم دفنته في قبره الصغير. وقبل أن يغادر الرجل، أعطاني شيئًا من المال. مرَّ اليوم عاديًا، عدت إلى البيت، وجدت زوجتي ربيعة قد أثقلها الحمل، كانت في شهرها السابع، تناولنا عشاءنا، ثم عم الصمت والسكون كسائر ليالي المقبرة. فجأة، بدأت أسمع صوت نسوة ينتحبن ويبكين، كان الصوت قادمًا من بعيد، وممزوجًا بزغاريد. أفزعني ذلك، فقفزت من مكاني وأيقظت زوجتي. قلت لها: “هل تسمعين ما أسمع؟” قالت: “لا، لا أسمع شيئًا.” قلت: “أنصتي جيدًا.” قالت: “يا حسين، استعذ بالله من الشيطان.” بقيت جامدًا مكاني، وصوت النواح والزغاريد لا يزال مستمرًا. وفي اليوم الموالي، باشرت عملي في المقبرة، وفكري مشغول بما سمعته ليلة أمس. بعد العصر بقليل، أحسست ببعض التعب، قررت الجلوس قليلًا، بدأت أسمع صوت عصفور من أعذب ما سمعت، كان صوته جميلًا جدًا يطرب الآذان، فالتفتُّ من حولي لأرى أين هذا العصفور المغرد، فلمحتُه، كان حجمه صغيرًا وريشه أبيض كالثلج، لم أرَ مثله في حياتي. كان يقف على شاهد قبر الوليد الذي دفنته بالأمس، اقتربت منه قليلًا، لاحظت أنه لم يطر ولم يهرب رغم أني صرت قريبًا جدًا منه، ثم بدأ يقفز على تراب القبر من مكان لآخر وهو ينقر الأرض. كان منظرًا عجيبًا جدًا، كنت أنظر إليه وأنا أسبح الله الخالق. وفي تلك الليلة، تكرر أيضًا صوت نواح النسوة، كان صوتًا رهيبًا يقطع الأنفاس. لم أسأل هذه المرة زوجتي إن كانت تسمع الصوت أم لا، خفت أن تكذبني مرة أخرى، فقررت الخروج من البيت لأعرف من أين تأتي هذه الأصوات. أخذت في يدي كشافًا، ثم خرجت من البيت، كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل، وقفت أمام باب البيت، الصوت قادم من جهة المقابر. من هؤلاء النسوة اللاتي يبكين داخل المقبرة؟ ثم كيف دخلن إلى هنا؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مشيت بين القبور إلى داخل المقبرة، حاملًا الكشاف في يدي، وكلما مشيت أكثر كنت أقترب أكثر من الصوت. أسرعت الخطى نحو القبور الجديدة، وهالني ما رأيت، شاهدت أربع نسوة منتقبات ومتحفِّات بالسواد قد تحلقن بقبر ذلك الرضيع، إحداهن تزغرد، والأخريات يبكين بنواح وصوت رهيب. بدأت أرتعد من الخوف، ما الذي أراه أمامي؟ خطوت بخطوات ثقيلة نحوهن، لم يُبدين أي حركة. تساءلت: هل هنَّ من أهل هذا الرضيع الذي وُلِد ميتًا؟ ما الذي أدخلهن إلى المقبرة في منتصف الليل؟ وقفت غير بعيد عنهن، ثم سلمت وقلت لهن: “ألا تعلمن أن الزيارة تكون بالنهار فقط؟ ثم كيف دخلتنَّ هنا؟” فسكت النسوة فجأة، ثم نظرن إليَّ في وقت واحد، لا تظهر لي إلا عيونهن، الغريب أنها كانت تغلب عليها الحمرة، وبها لمعان من الدموع. بلعتُ ريقي بصعوبة

انت أرتجف من الخوف كن كلهن جاثي على ركبهن، ولما كلمته وقفنا في وقت واحد، لكن كانت قاماتهم طويلة جدًا، ما هذا الطول غير العادي؟ لم يكلمني بل أدرنا ومشينا مشية مثقلة بين القبور وهن يجررن عباءاتهن السوداء الطويلة. بقيت في صدمة اللحظات، ثم استدرت عائدًا إلى البيت، أحسست بقطرات تتساقط علي، رفعت رأسي فإذا هي تمطر مطرًا خفيفًا. أسرعت الخطى نحو البيت حتى لا يبللني المطر. دخلت البيت، رأيت زوجتي ربيعة نائمة لا تدري بالهول الذي عشته، والرعب الذي كاد يسكت قلبي. من تراه سيصدق ما رأيته بأم عيني؟ ذهبت لأتوضأ، ثم بعدها صليت ما تيسر لي من قيام الليل عسى أن أستعيد توازني وسكينة نفسي. والعجيب أني في الركعة الثانية لما سلمت، شعرت براحة وهدوء ينتابني، تمددت قرب سجادتي ثم رحت في نوم عميق. أيقظتني زوجتي في الصباح الموالي، فتحت عيني بصعوبة، كنت متعبًا جدًا. سألتني مستغربة: لم نمت على الأرض؟ نظرت إليها دون أن أجيب، فابتسمت ثم قالت لي: انهض فالإفطار على الطاولة. بدأت يومي بشكل عادي داخل المقبرة، من جنازة إلى أخرى، ومن حفر إلى ردم، كنت بين الفينة والأخرى أرنو ببصري نحو قبر الرضيع، لم يغب عن خاطري ما عشته بالأمس. هل سيعود أولئك النسوة هذه الليلة أيضًا؟ وإن سمعت صوتهن، هل أخرج إليهن أم أتركهن؟ أي سر وراء هذا القبر الصغير؟ توجهت نحوه لأطلع عليه، ففوجئت لما وجدت فيه شيئًا جديدًا لم يكن بالأمس! لقد نبتت به ورود بيضاء صغيرة! كيف نمت بهذه السرعة؟ شيء لا يقبله عقل! تلمست الورد بيدي كأنها قد غرست قبل أيام. أيكون قد غرسها أحدهم في هذا اليوم دون أن أراه؟ أردت أن أجذب وردة من الورود حتى أرى إن كانت مغروسة اليوم أم نابتة، وما إن هممت بذلك حتى سمعت صوت جنازة قادمة والناس تكبر وتهلل، فقمت من مكاني وتوجهت نحوها. لقد كان قبر صاحبها جاهزًا. بعد الظهر ذهبت إلى البيت لتناول الغداء، لم يكن الطعام جاهزًا بعد، سألت ربيعة، فقد بدت لي متعبة وقلقة، قلت لها: ما بك؟ بما تشعرين؟ قالت لي: أنصت إلى طفلنا. فوضعت أذني على بطنها، كانت في شهرها السابع، سمعت صراخ صبي صغير يبكي، والصوت قادم من داخل رحمها! من وسط بطنها! لم أفهم ما الذي يجري! لم أسمع بهذا الأمر سابقًا، لكن الأكيد أن هذا أمر غير عادي! أسكتتني الصدمة، لكني تمالكت نفسي وقلت لربيعة: لا تتعبي نفسك واخلدي للراحة. ساعدتها على الذهاب لفراشها، ثم غطيتها، نظرت إليّ بعينين مليئتين بالدموع دون أن تتكلم. أغلقت خلفها الباب، ثم جلست في البهو أفكر في كل الأشياء الغريبة التي صرت أعيشها منذ يوم دفنت ذلك الرضيع. أسأل الله اللطف في الأقدار. خرجت لأكمل عملي في المقبرة حتى غربت الشمس، أغلقت باب المقبرة، حملت أغراض الحفر وتوجهت نحو صنبور قريب، غسلت أطرافي ثم توضأت. حل الظلام سريعًا في الأرجاء، كانت خطواتي بطيئة من شدة تعبي. سمعت حركة، كأن أحدًا يمشي بقربي! التفت يمنة ويسرة، لكني لا أرى أحدًا! ما هذا؟ بسم الله الرحمن الرحيم! استمررت في المسير، والصوت يتحرك قريبًا جدًا مني! أحسست أني لمست شيئًا بيدي! انحنيت ببصري لأجد عنزة سوداء اللون رافعة رأسها تنظر إلي وهي تجر شيئًا! تراجعت إلى الوراء وأنا أقرأ المعوذات، ثم قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. ما الذي تفعله هذه العنزة هنا؟ كان صوتي خافتًا مرتجفًا، ثم سمعت من يكلمني قائلًا: لا تخف، إنها بهيمة بكماء لن تضرك. التفت بسرعة خلفي، فرأيت امرأة بدت طاعنة في السن، تضع على رأسها وشاحًا وتلبس جلبابًا مغبرًا ورثًا، كانت كثيرة التجاعيد وقد تساقطت جل أسنانها، كانت لها عين واحدة سليمة، والأخرى بيضاء وكأنها مريضة. كانت تجلس على أحد القبور وتنظر إلي، قلت لها: من أنت أيتها المرأة؟ وما الذي تفعلينه هنا؟ قالت: أنا أسرح في أرض الله. بقيت أنظر إلى شكلها وأسمع كلامها الذي كان كله رموزًا لم أفهم ما الذي تقصده. قالت لي: لا تخشى شيئًا، لست هنا لأنبش القبور أو لأخرج أشلاء الموتى وعظامهم، جئت تسوقني هذه الدابة، والليلة ليلة العهد، فإن وفيت به نجوت، وإن غدرت فسينبت الشوك داخل بطن زوجتك وجنينها! في تلك اللحظة صرت عاجزًا عن الكلام من هول ما أسمع! قامت تلك المرأة من على القبر وهشت العنزة السوداء، فجرت هذه الأخيرة بين القبور حتى اختفت في الظلام. اقتربت مني المرأة حتى صارت أمامي تمامًا، وجدت لها رائحة قوية جدًا، فقالت لي: لم ألبس ثوب حداد كهذا منذ أكثر من 24 سنة، وأنا أعيش عيشة كريمة. إنني من سلالة من الجن الرباني الذي يؤمن بالله، لا نظلم ولا نقبل الظلم. كنت أحس بذعر شديد ورعب لا يعلمه إلا الله، رغم أنها أخبرتني أنها مؤمنة بالله ولا تظلم أحدًا، إلا أن قدماي كانتا توشكان على السقوط من شدة الارتجاف. فكرت في الهروب، لكني لم أستطع، أردت أن أصرخ ليأتي أحد لينقذني، لكن من سيجدني؟ ومن حولي كلهم أموات لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا! فقلت لها: بيننا الله وشرعه، لم أؤذك بشيء، فابتعدي عني! ضحكت حتى بدا ما بقي من أسنانها، ظهرت كعجوز معمرة، ثم قالت: دعني أكمل كلامي، لعل فيه نفعًا لك. كان يجب أن آتي لابسة السواد كما فعلت بناتي، هذا حق لنا وواجب علينا. منذ ثلاثة أيام، دفنت رضيعًا، أحضره لك رجل من بني البشر، هذا الرجل هو والده. وسأخبرك عن أمر أمه. أعرفك بنفسي، اسمي يامنة، جنيّة مسلمة عربية، وُلدت منذ مئات السنين، وتزوجت صغيرة من سيد الفقيه شمهروش، قاضي القضاة، رزقني الله منه ذرية كلها بنات، رأيت منهن أربعًا في تلك الليلة قرب قبر الرضيع. ثم مشت الجنية خطوات وعادت لتجلس قرب أحد القبور القديمة، وأكملت كلامها قائلة: أوسط بناتي اسمها سودة، أسميتها كذلك لأنه كان بها علامة سوداء، بارك الله لنا فيها. كانت تبحث عن الدور التي يسكنها المتقون الصالحون الذاكرون، فتجلس مع أصحاب هذه المنازل لسنوات عديدة، وخلال السنوات القليلة الماضية، حكت لي ابنتي سودة عن البيت الذي قضت فيه سنين ماضية. كانت صاحبة البيت شابة تقيّة، عابدة لله، تحصّن نفسها دوماً بالذكر، وتعكف على قراءة القرآن، وتطيّب البيت بأحسن بخور. أعجبت سودة بالمكان وقررت المكوث فيه حتى اختلطت مع هذه الإنسية بابتسامته المعهودة وقال: غدًا سنبدأ العمل مبكرًا. سأبدأ في تعليمك أصول هذه المهنة، فقم من النوم باكرًا، صلِّ صلاتك، وابقَ على طهارة، ثم الحق بي. في تلك الليلة وجدتني مبتهجًا، فقد يسر الله لي اللقاء بهذا الرجل الطيب الذي فتح لي بيته ويعاملني كأنني ولده. ليس لي خيار آخر إلا أن أمكث معه، هذا قدري، ولنرَ ما تخبئه لي الأيام. هنا بدأت شيئًا فشيئًا أتعلم من العم عبد الله، وما هي إلا بضع أسابيع حتى صرت مكلفًا بمكانه في الحفر، وأصبحت معروفًا كحفار للقبور، تلك الحرفة التي اختارتني ولم أخترها. وبعد عام بدأ المرض يشتد على العم عبد الله، فلا يخرج من بيته إلا نادرًا، فصرت أنا من يعيله هو وابنته، فما أجنيه من مال أقتسمه معه، فهو صاحب فضل علي، وخيره دين في رقبتي.  وفي ليلة من الليالي طرقت باب العم عبد الله ثم دخلت وجلست بقربه بعدما قبلت رأسه. لقد قررت أن أخبره رغم أن لساني لا يسعفني، إلا أني قررت أن أخطب ابنته ربيعة. قلت له وأنا مطأطئ رأسي ونظري في الأرض، كنت قلقًا جدًا من ردة فعله، لكنه وضع يده على كتفي بحنان وقال لي: لم نرَ منك إلا الخير، أنت شاب مكافح وطيب القلب، ولقد أحببتك كولد لي، مبارك عليك. فانحنيت على يده أقبلها وأنا في غاية الفرح والسرور. تم زواجي من ربيعة لتبدأ معها صفحة جديدة من حياتي، لكن الفرحة لم تكتمل، فما هي إلا أيام حتى توفي العم عبد الله. حزنت عليه حزنًا كبيرًا، فقد كان لي بمثابة الأب، أما ابنته ربيعة فقد أمضت فترة عصيبة بعد وفاته، لكنه الأجل الذي لا يمكن أن يُقدم أو يُؤخر. حفرت قبره بجوار قبر زوجته كما أوصاني ودفنته بيدي. تلك سنة الحياة، والاعتراض على أمر الله لا يفيد.  تمر الشهور وكان كل شيء عاديًا، صرت المكلف الرسمي بحراسة المقبرة وحفر القبور، كل الأمور كانت على ما يُرام حتى جاء ذلك اليوم الذي له ما بعده، حيث عشت أرعب ليالٍ في حياتي، شيء لا يصدقه العقل. ذات صباح جاءني رجل يحمل في يده رزمة صغيرة ملفوفة بغطاء سميك، سلم عليَّ فرددت السلام، ثم قال لي: هل أنت السيد حسين حفار القبور؟ قلت: نعم، أنا هو، ما الأمر؟ فقال لي إنه يحمل بين يديه سقطًا مات أثناء ولادته، لم تُكتب له الحياة. قلت له: لا حول ولا قوة إلا بالله، اصبر واحتسبه عند الله. تماسَك الرجل نفسه وحبس دموعه، أخذتُ منه الرضيع الميت، لاحظتُ أن وزنه كان ثقيلًا شيئًا ما، كشفتُ عنه الغطاء كي أراه، ما شاء الله، وجهه كالقمر، كان جميلًا جدًا.  بعدها جهزتُ حفرة صغيرة، قمتُ مع والدَي الرضيع بالصلاة عليه، ثم دفنته في قبره الصغير. وقبل أن يغادر الرجل أعطاني شيئًا من المال. مر اليوم عاديًا، عدت إلى البيت، وجدت زوجتي ربيعة قد أثقلها الحمل، كانت في شهرها السابع. تناولنا عشاءنا، ثم عم الصمت والسكون كسائر ليالي المقبرة. فجأة بدأت أسمع صوت نسوة ينتحبن ويبكين، كان الصوت قادمًا من بعيد وممزوجًا بزغاريد. أفزعني ذلك، فقفزتُ من مكاني وأيقظت زوجتي، قلت لها: هل تسمعين ما أسمع؟ قالت: لا، لا أسمع شيئًا. قلت: أنصتي جيدًا. قالت: يا حسين، استعذ بالله من الشيطان. بقيت جامدًا في مكاني وصوت النواح والزغاريد لا يزال مستمرًا…

Exit mobile version