سر المرآة والرجل المجهول


بقلم: هاجر – الجزائر
في صيف عام 2006، حينما كنتُ في السادسة من عمري، رافقني جدي في رحلة إلى سوق “لاباستي” في وهران. كان الجو حارًا والمدينة تعج بالحياة والضوضاء، بينما كان جدي يتجه لشراء اللحم الطازج للدكان.وبينما كنتُ أتجول بين الأكشاك المزدحمة، لفتت نظري مرآة معلقة عند متجر “بوشي”. فتوقفتُ لحظة أتفحص انعكاسي ببراءة الطفولة، وعندما نظرَت عيناي في المرآة، شعرتُ بأن شيئًا غير عادي قد حدث. فقد ظهر بجانبي رجلٌ غامضٌ في انعكاسي، رغم أني لم أره في الواقع إلا بوضوح الصورة في المرآة.ما إن لاحظتُ ذلك الوجود المريب حتى اقترب مني الرجل بصمتٍ، وبدأ كلامه بصوتٍ غريبٍ لا يُطيق السمع:
«أعطني عشرة كيلو لحم ودجاج»،
كما لو أنني كنتُ مشاركًا في صفقة لا تليق بطفلٍ صغير.رددتُ بخوفٍ: «لكني، أنا مجرد طفلة!»
فأجاب الرجل بنبرة باردة: «لا أستطيع؛ أنا لا أعرفكِ»،
ثم بدأ يُطلق كلماتٍ حادةٍ ومعانٍ غامضة، تملأ الجو برهبةٍ وخوفٍ لا يوصف.وفي خضم تلك اللحظات المشحونة، ظهر في المرآة بوضوح رجلٌ آخر، يبدو عليه الهدوء والحكمة؛ رجلٌ يُعرف بين الناس بلقب “عمو مراكش”. بدا وكأن صورته قد انبثقت من عالمٍ آخر، ليحمل معه سحرَ الحماية والسكينة.تقدم “عمو مراكش” خطوة إلى الأمام وبدأ يقرأ بصوتٍ رخيمٍ سور الفلق وبعض الآيات القرآنية التي طالما سمعتها من جدتي. ومع كل كلمةٍ تتردد، خفت الظلال وبدأت أنفاس المكان تعود إلى طبيعتها. وفجأة، بدا الرجل الغامض وكأنّه يتلاشى أمام أعيننا، حتى اختفى تمامًا، تاركًا خلفه صمتًا يخيم على المكان وكأنَّه لم يكن موجودًا مطلقًا.وقفتُ مذهولةً، تتراقص بين الذهول والخوف، لكنني شعرتُ في أعماق قلبي أن هناك قوةً إلهيةً قد تدخلت لتُنهي تلك اللحظة المرعبة. وبينما عاد جدي إلى متجره غير مدركٍ لكل ما حدث، ظلّت تلك الصورة محفورةً في ذاكرتي كدرسٍ في قوة الإيمان ووقاية الروح من الظلمات.ومنذ ذلك اليوم، ظلت تلك الحادثة تُروى بين الناس كتحذيرٍ للأطفال وإشارةٍ إلى أن وراء كل مواجهة مع المجهول تكمن قوةٌ أكبر تُضيء الدروب في أوقات الشدة