باب الحمام الملعون


الباشق الحزين
بعد أن تزوج “سفيان”، قرر أن يعمل في أحد الحمامات التقليدية، حيث شغل وظيفة “الكسّال” لكنه كان أيضًا مسؤولًا عن كل شيء في الحمام من بدايته إلى نهايته. الحمام قديم جدًا، وقد وجد له هذه الوظيفة أحد أفراد عائلته. كان الحمام يقع في منطقة شعبية، وكان فيه باب غريب في مكان لا مبرر لوجوده، لم يُفتح يومًا، وظل مغلقًا على الدوام، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منه.
بدأ سفيان يتساءل: ما حكاية هذا الباب؟ وكيف ستتغير حياته بعد دخوله هذا المكان؟ كانت القصة مليئة بالأسرار الغامضة.
سفيان، وهو شاب مغربي متزوج من فتاة اسمها “غزلان”، كان يسعى للعمل في وظيفة ثابتة بدل التنقل بين مهن مختلفة. جاءته الفرصة عبر خاله، الذي أخبره أن الحاج “بوشعيب”، صاحب الحمام، يبحث عن كسّال نشيط يساعده في كل ما يخص الحمام. لكن الغريب أن الحاج لم يهتم كثيرًا بربح الحمام، بل كان يصر على أن يبقى كما هو، دون أي تغيير، مهما حدث.
عند لقاء سفيان بالحاج، كان الرجل غامضًا، ذا ملامح تخفي الكثير. قال له: “أهم شيء ألا تغيّر شيئًا في الحمام، وألا تقترب من ذلك الباب.” وافق سفيان، وبدأ عمله.
أول مرة دخل الحمام، شعر بشيء غريب. كان البناء بالطين، والجدران مكسوة بـ”الزليج” القديم. الضوء خافت، والجو ثقيل. عند مدخل قسم الرجال، كان هناك رجل مسن يُدعى “السرغيني” يجلس مقابل باب خشبي قديم، مغلق بقفل حديدي، وفوقه لوحة نحاسية كتب عليها “باب الجمر”.
سفيان سأل امرأة مسنّة تعمل في قسم النساء عن الباب، فقالت له بلهجة حازمة: “لا تسأل عنه، ولا شأن لك به.”
مرت الأيام، وظل الباب يثير فضوله، حتى جاء يوم دخل الحمام رجل غريب، طلب من سفيان أن يدلّك له ظهره. وبينما يقوم بذلك، لاحظ أن جسده بلا إحساس تقريبًا، وكأن الجلد غير طبيعي، فيما كان البخار يزداد بشكل غريب. بعد الانتهاء، خرج الرجل، لكن سفيان رآه يفتح “باب الجمر” ويدخل!
عندما واجه “السرغيني” بالأمر، أنكر تمامًا، وقال إن الباب مغلق بالقفل. ازداد فضول سفيان، وأصبح يفكر في الأمر حتى في أحلامه، حيث كان يرى أشخاصًا يخرجون من الباب ووجوههم يذوب عنها الجلد.
مرت أسابيع، وفي يوم ما، وجد سفيان نفسه وحيدًا أمام الباب، فقرر أن يفتحه. وعندما فتحه… كانت الصدمة: لا يوجد خلفه شيء سوى جدار! ومع ذلك، كان متأكدًا أن الرجل الغريب دخل منه.
منذ ذلك اليوم، لم يعد أحد يتحدث عن الباب، وكأنهم تناسوا وجوده، فيما ظل سفيان مقتنعًا أن وراءه سرًا أكبر مما يتصوره بعد أن تأكدت أن النوافذ مغلقة، والباب مُحكم الإقفال، اقتربت غزلان من النافذة بحذر لتطل إلى الخارج. وما إن التصق وجهها بالزجاج، حتى أقسمت أنها رأت وجهًا ملاصقًا لوجهها، لا يفصل بينهما إلا الزجاج، وكانت عيناه ظاهرتين بوضوح. ارتعبت وتراجعت إلى الخلف وهي تصرخ، فأسرعتُ بالدخول إلى المزرعة لأجدها ساقطة على الأرض. حاولت تهدئتها، فروت لي ما حدث، مؤكدة أن شخصًا ما كان يراقب من خلف النافذة، وأنه ليس من البشر رغم هيئته الإنسانية، إذ أن خطواته التي تسمعها ليست كخطوات البشر. طمأنتها، وقلت إننا سنترك هذا المكان لاحقًا وننتقل إلى المدينة، لكنها رفضت مؤكدة أنها معتادة على العيش هنا، إلا أن ما يحدث مؤخرًا بات يثير خوفها.
حاولتُ التحقق بنفسي، فخرجت أبحث عن أثرٍ ما فلم أجد شيئًا. أقنعتها بأن الأمر قد يكون مجرد انعكاس ضوء القمر، لكن القلق ظل يلازمها. بعد شهر تقريبًا، عادت الأصوات، وكانت غزلان هذه المرة أكثر حرصًا؛ أغلقت النوافذ والباب وأطفأت الأنوار لتتمكن من رؤية الخارج بوضوح. ومع ذلك، ظل الصوت يتكرر، حتى أيقنت أن هناك رجلاً يراقب المنزل، رجل ملامحه غامضة وعيناه تلمعان في الظلام، ليس بإنسان عادي ولا حيوان.
اقترحتُ أن نبلغ الشرطة، لكن قلة الهواتف آنذاك جعلت الأمر معقدًا. ذهبتُ للجهات الأمنية، وشرحت لهم الموقف، فجاءوا معي للاستماع لغزلان وأخذ أوصاف الرجل. وصفت لهم طولاً غامضًا وعينين لامعتين، لكنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، واعتبروه مجرد أوهام. انصرفوا بعد جولة قصيرة حول المنزل، تاركين غزلان تبكي في حالة من الرعب.
مرت الشهور، وانشغلت بأعمالي، حتى جاء يوم سافرت فيه مع صديقي عبد اللطيف لقضاء بعض الأعمال. في منتصف الطريق، طلب أن يتوقف لقضاء حاجته، لكنه تأخر بشكل غريب، ثم عاد يركض غاضبًا وملابسه مبعثرة وعنقه محمرّ، رافضًا أن يخبرني بما حدث. توقفنا لاحقًا في مقهى، وهناك بدأ يتصرف بعدائية شديدة تجاهي حتى تركني وغادر. رجل مسن في المقهى حذرني بكلمات غامضة، قائلاً إن عليّ أن أسأل نفسي قبل أن أخسر نفسي ومن حولي.
عدت إلى منزلي وأنا لا أفهم ما يجري، لكن المشاكل بدأت تتراكم. في الحمام الذي أملكه، انتشرت شائعات بأنه “مسكون”، وبدأ الزبائن يقلّون، رغم أنني كنت أرى أحيانًا أشياء غير طبيعية فيه. حاولت حل الأمر بجلب الرقاة والقيام بالذبح صدقة لله، لكن بلا فائدة، فالوضع ازداد سوءًا، والسمعة تدهورت حتى عجزت عن إيجاد شريك أو مشترٍ.
وفي أحد الأيام، قررت أن آخذ إجازة لأمضي الوقت مع أسرتي. خرجت لشراء الفطور، وأثناء وقوفي بجوار دراجتي، لمحت في المرآة شخصًا يقف خلفي أمام الباب، لكن عندما التفت لم أجد أحدًا. تجاهلت الأمر وعدت إلى المنزل فرحًا بالمشتريات، لكن ما رأيته حين فتحت الباب أصابني بالذهول…
كانت أرجاء المنزل ملطخة بالدماء، وغزلان وليلى… كدا نموت من الرعب. الموقف كان مرعبًا وبشعًا إلى درجة أن سفيان – راوي القصة – قال إنه كاد يفقد عقله من هول ما رأى