ظهور الجني العاشق بسبب المرآة


بقلم:همسة
اسمي سلمى، وعمري واحد وعشرون عاماً. كانت الناس تقول إن الله أنعم عليّ بالجمال، وكنت أرى ذلك في المرآة كل ليلة… بل كنت أستمتع بجمالي بطريقة زائدة، أقف أمام المرآة بالساعات، أضع السماعات في أذني، أشغّل الموسيقى، وأرقص وحدي حتى الفجر. كنت أظن أنني وحدي في الغرفة… ولم أكن أعلم أن هناك من يراقبني منذ زمن طويل.
في إحدى الليالي، وبعد أن تعبت من الرقص، وضعت السماعات ونمت… شيئاً فشيئاً صار نومي شبه يومي بالسماعات والموسيقى.
بعد عدة أيام، عدت للبيت متعبة جداً. دخلت غرفتي، بدّلت ملابسي، ورميت نفسي على السرير. كالعادة، وضعت السماعات وشغّلت الأغاني، وبدأت أحاول النوم… لكن فجأة، وأنا مستلقية، بدأت أشعر بأنفاس ساخنة خلف ظهري… شيء قريب جداً من جسدي، حتى ظننت أن أحداً يلتصق بي.
استغربت… لأني متأكدة أن لا أحد معي في الغرفة.
ازدادت الأنفاس… وبدأ جسدي يقشعرّ. شعرت أن هناك شيئاً يجلس خلفي. إحساس غريب… مخيف… لكنه كان حقيقياً. حاولت أن أتشجع والتفتُّ لأرى من خلفي… لكن ما إن أدرت رأسي حتى تجمد جسدي بالكامل. لم أعد قادرة على الحركة… ولا حتى على رفع إصبعي.
نظرت أمامي… فرأيت جسداً طويلاً جداً… ملفوفاً بقماش أبيض بالكامل… دون وجه… دون يدين… فقط كتلة طولية بيضاء تقف بطريقة غير طبيعية أمامي.
لم أستطع الاستعاذة بالله… لساني انعقد تماماً. لم أكن أحفظ شيئاً من القرآن… ولم أكن أُحصّن نفسي. كنت فقط أحدّق فيه… وهو يقف بلا ملامح.
ثم بدأ يتكلم… ليس بفم، بل بصوت ثقيل يتردد داخل رأسي… لكن لم أفهمه بسبب صوت الأغاني في السماعات. حاولت التركيز… تجاهلت الموسيقى… عندها سمعت كلماته بوضوح:
“إوِعي… تحكي… لأُمِّك… عن اللي صار… قبل شوي…”
كان يهددني… بصوت مخيف… خافت… لكنه واضح.
ثم اختفى.
مرت أيام قليلة، وبدأت أراه في كل مكان… في المطبخ… في الصالة… عند باب الحمام… أراه واقفاً… بلا وجه… بلا حركة… فقط يراقبني بصمت.
خفت كثيراً… وبدأت أنام بجانب أمي. لاحظت هي الأمر وسألتني لماذا أترك غرفتي التي كنت أقضي فيها الليل كله رقصاً وموسيقى… لكني لم أجرؤ أن أخبرها الحقيقة.
زاد الأمر سوءاً… فقد أصبح يظهر لي في كل زاوية من البيت. حتى عندما أذهب للحمام… أجده واقفاً عند الباب. لم أعد أحتمل.
بدأت أحافظ على الصلاة والاذكار، فشعرت براحة مؤقتة… لكنه لم يختفِ. كنت أشعر طوال الوقت أن شيئاً يتبع خطواتي… يراقبني… يقترب مني كل ليلة، خصوصاً عندما أكون وحدي.
وفي ليلة مظلمة… بينما كنت نائمة على سريري، بدأت أسمع همسات قادمة من زاوية الغرفة. همسات منخفضة، غير مفهومة… لكنها تقترب أكثر فأكثر. سرت قشعريرة في جسدي كله. حاولت قراءة القرآن… لكن الهمسات اشتدت، حتى أصبحت واضحة.
وفجأة… انطفأت كل الأنوار.
غرفتـي غرقت في ظلام كامل. شعرت بخوف لم أشعر به في حياتي. بدأت أقرأ ما أحفظه وأنا أرتجف…
ثم حدث شيء… شعرت بحركة قريبة من المرآة. فتحت عيني بصعوبة… ورأيت في انعكاس المرآة جسداً طويلاً ملفوفاً بالأبيض… أقرب إلي من أي مرة سابقة… يحدّق بي بلا وجه.
حاولت الحركة… لكن ثقلاً رهيباً ضغط على صدري. لم أستطع حتى الصراخ. وكلما حاولت رفع جسدي… شعرت بأنفاس ثقيلة على كتفي.
في اليوم التالي، قررت سلمى الذهاب لصديقتها لتحكي لها كل شيء. نصحتها صديقتها بأن تتواصل مع شيخ مختص. اتصلت به بالفعل، وروت له كل ما يحدث.
سألها الشيخ:
“يا بنتي… إنتي بتوقفي قدّام المراية بالليل كثير؟“
أجابت بخجل:
“نعم… أغلب وقتي أقف أمام المرآة وأرقص وأسمع موسيقى.”
فقال لها:
“هذا اسمه جن عاشق. وإنتِ فتحتِ له باب بدوامك على المراية والرقص والموسيقى. عندك حلّين… يا إما تبطّلي الأغاني… يا إما تواظبي على الصلاة والقرآن. هو لسه ما قدر يدخل جسمك، لكنه يلاحقك… ويراقبك… وينتظر فرصة.”
ومنذ ذلك اليوم، بدأت سلمى تلتزم بالنصائح. كان الأمر صعباً في البداية، لأن الموسيقى كانت جزءاً من يومها… لكنها قاومت.
ومع الوقت… بدأت تشعر براحة حقيقية. كلما التزمت بالصلاة والاذكار، شعرت أن الخوف ينقص… وأن الظل الأبيض يبتعد عنها.
ومع الأيام… اختفى تماماً.
تقول سلمى:
“التزمت بالصلاة والقرآن… وبعد فترة، لم أعد أراه في المطبخ… ولا في الزوايا… ولا في المرآة… لقد اختفى بفضل الله



