تجارب مرعبة

عندما يتحول العلاج الى كابوس

بقلم:ادهم الاميري

شاب في أوائل الأربعينات، كان دائمًا يرى أن الحياة غير عادلة منذ طفولته. كان يعيش في شقة صغيرة في حي شعبي وسط ضجة الشوارع. عمر كان وحيدًا، لا يملك أهلًا أو أصدقاء قريبين. كل شخص كان مشغولًا بنفسه، والحياة كانت تسير بسرعة غير مفهومة. كبر عمر بأحلام بسيطة، كان يحلم بعمل جيد، منزل مريح، وأسرة صغيرة ليشعر بأنه ليس وحده في العالم. لكن هذه الأحلام كانت مجرد أفكار في رأسه. لم يكن عمر يعلم أن الحياة قد تأخذ منك كل شيء بطريقة تجعلك عاريًا أمام مصيرك. كانت حياته تسير برتابة وملل، عمل صباحي ممل في مكتب قديم، وقهوة بالليل في المقهى الشعبي أسفل منزله. كان يشعر بأنه مثل الطاولات التي يجلس عليها، هذا ما كان يقوله لنفسه أو يضحك على حاله. وفي يوم من الأيام، قررت الحياة منحه فرصة جديدة. ظهر صديقه القديم أكرم فجأة بعد غياب سنوات.أكرم كان مختلفًا، أنيقًا، وكلامه دائمًا مغريًا. جلس مع عمر وقال له: “يا عمر، لدي مشروع كبير جدًا، وسنكسب منه الكثير، فقط تعال معي وسنحقق أحلامنا”. عمر الذي كان يعيش بدون أي أمل، رأى في كلام أكرم نافذة صغيرة لحياة مختلفة، شعر بشيء من التفاؤل لأول مرة منذ سنوات. لماذا لا؟ ربما هذه هي الفرصة التي كان ينتظرها. لكن الحياة كما تمنحك الأمل، تعرف كيف تسحبه منك بأبشع الطرق. كان عمر على وشك اكتشاف أن الحلم الذي بدأه مع أكرم لن يكون سوى بداية لأسوأ كوابيس حياته.عمر كان يتساءل: هل هذا مشروع حقيقي؟ هل سنكسب الذهب حقًا؟ كانت هذه الأفكار تدور في ذهنه، لكن أكرم كان الشيء الوحيد المتبقي له في الحياة في ذلك الوقت. في يوم ما، كان عمر جالسًا أمام التلفزيون، بالكاد صوته يكون مسموعًا، ولم يكن يفعل شيئًا سوى تكرار هذه الكلمات في ذهنه. لم يجد عمر نفسه في أي شيء حوله. عمل ممل، أصدقاء غير موجودين، حياته كانت كظلام بلا نهاية. لكن أكرم ظهر ومعه أمل صغير عندما قال له: “تعال نفتح مشروع العمر”.وافق عمر دون تردد. فكرة الخروج من روتينه القاتل كانت بالنسبة له كطوق النجاة. جمع كل الأموال التي كان يدخرها من عمله، حتى باع بعض الأشياء القيمة، مثل ساعة والده القديمة التي ورثها عنه، وكل ذلك ليضع كل أمواله في المشروع الذي وعده أكرم أنه سيغير حياتهما. البدايات كانت مبشرة، والمكان الذي فتحوا فيه المشروع كان في حي راقي، والمنتجات التي كانوا يبيعونها كانت دائمًا تحقق مبيعات جيدة. عمر كان يشعر أنه أخيرًا وجد طريقه. لكن هذا لم يدم طويلًا. بعد شهور قليلة، بدأ أكرم يتصرف بغرابة، كان دائمًا مختفيًا ولم يعد يرد على مكالمات عمر كما كان يفعل من قبل، والأموال التي كانت من المفترض أن تدخل حساب الشركة كانت تختفي فجأة.عندما واجه عمر أكرم، قدم له الأخير حججًا واهية، قائلًا: “هذا هو شغل السوق، أحيانًا نكسب وأحيانًا نخسر”. لكن عمر شعر أن هناك شيئًا غير صحيح، لكنه لم يكن قادرًا على مواجهة الحقيقة. كان لديه أمل أن تتحسن الأمور. لكن في يوم من الأيام، دخل عمر المكتب ووجد المحل مغلقًا، والأوراق متناثرة في كل مكان. حاول الاتصال بأكرم، لكن لم يكن هناك رد، ثم عرف الحقيقة: أكرم سرق كل الأموال واختفى.في تلك اللحظة، لم يصدق عمر ما حدث. كيف يمكن لأكرم أن يفعل ذلك؟ كان أكثر شخص وثق فيه. الدنيا أغلقت في وجهه تمامًا، وذهب ماله ومستقبله ضاع. بعد ذلك، كان عمر يعيش في حالة صدمة، لم يكن يعرف كيف يأكل أو ينام. عندما حاول الشكوى، اكتشف أن أكرم لم يترك وراءه أي دليل يدينه. الحلم الجميل تحول إلى كابوس لم يستطع عمر الخروج منه أبدًا.في ذلك الوقت، كانت المخدرات هي الملاذ الوحيد لعمر للهروب من الواقع السيء. جرّبها لأول مرة مع مجموعة عشوائية في مقهى، كانت شيء صغير لتهدئة أعصابه. هكذا أقنع نفسه عندما أخذ أول نفس من سيجارة محشية. لكن مع مرور الأيام، أصبحت الجرعات الصغيرة أكبر، وأصبح الإدمان وحشًا يأكل كل جزء فيه. كان يقول لنفسه: “لا شيء سيضيع أكثر مما ضاع”. كل شيء أصبح يباع، التلفزيون الذي كان يسهر أمامه كل ليلة، السرير الذي كان ينام عليه، وحتى المروحة القديمة. بعد فترة، لم يتبق أي شيء. أصبح عمر مثل الشبح يتجول في الشوارع يبحث عن جرعته القادمة بأي طريقة.في يوم ما، وقع عمر على الأرض وسط الشارع من التعب، وتجمع الناس حوله، وأخذوه إلى المستشفى بسرعة. عندما استيقظ، وجد نفسه على سرير أبيض محاطًا بأجهزة طبية ودكتورة واقفة بجانبه. الدكتورة شيرين كانت ملاكًا يمشي على الأرض، جميلة بشكل يخطف الأنظار وعينيها تمنحان إحساسًا بالأمان. قالت له: “أنت تحتاج إلى مساعدة، وأنا هنا لأجلك”. قالت له بصوتها الهادئ الجميل. عمر تعافى وأنهى فترة علاجه في المستشفى، وأصبح أفضل. شيرين بدأت تعطيه بعض المال يوميًا ليساعده في شراء الطعام أو تلبية احتياجاته اليومية. شعر عمر بأن هناك أمل جديد في حياته، وكان ينتظر رؤيتها كل يوم. وقع عمر في حب شيرين، بالنسبة له لم تكن مجرد طبيبة، بل كانت كل شيء جميل في حياته، حتى أنه بدأ يصدق أنها قد تحبه.في إحدى المرات، قالت له شيرين: “أنا أعمل على رسالة دكتوراه عن علاج الإدمان بطرق جديدة، إذا كنت مستعدًا، يمكننا تجربة العلاج عليك”. وافق عمر فورًا، بالنسبة له كانت شيرين كالأمان الذي يحلم به طوال حياته. أخذته شيرين إلى مختبرها الخاص، المكان كان جميلًا ومنظمًا جدًا، ومليئًا بالأجهزة المتطورة والكاميرات في كل مكان.قالت له شيرين: “سنبدأ هنا في تغيير حياتك يا عمر، لكن الأهم هو أن تثق بي”. المكان كان كبيرًا بشكل مبهر، والإضاءة فيه كانت ضعيفة ولكن مريحة للعين، والجدران كانت مغطاة بشاشات تعرض بيانات وتجارب سابقة لمدمنين. قالت له شيرين: “هذا هو عملي كله هنا يا عمر، هذا المكان هو حلمي الذي كنت أعمل عليه لسنوات”.عمر لم يكن يفهم التفاصيل، لكنه كان يشعر بالأمان وثقته في شيرين كانت عمياء. بدأت شيرين تشرح له التجربة، وقالت ببساطة: “هذه التجربة ستساعدك ليس فقط على التخلص من الإدمان، بل ستجعلك تشعر وكأنك مولود من جديد، لكن يجب أن تلتزم معي حتى النهاية”. أول خطوة كانت حقنة بمادة خفيفة، قالت إنها للتخدير الجزئي ليشعر بالراحة. شعر عمر بشعور غريب كأنه يطير في السماء، وكان جسمه مسترخيًا جدًا، وبدأ يسمع صوت شيرين وهي تعطيه تعليمات لحياة جديدة. قالت له شيرين: “كل إنسان لديه فرصة ثانية، لكن يجب أن يكون مستعدًا للتضحية من أجلها”.الوقت كان يمر ببطء، وعمر كان يتنقل بين وعيه وشعوره بالتخدير. بدأ يلاحظ أن الكاميرات في كل ركن في المختبر كأنها تراقبه، لكنه لم يهتم، معتقدًا أن ذلك لتوثيق التجربة. اقتربت شيرين منه بابتسامة وقالت: “سنبدأ بخطوة بسيطة جدًا ستساعدك على التخلص من كل السموم في جسمك، فقط استرخِ وكن واثقًا بي”.لكن كلما كانت شيرين تتحدث، كان هناك إحساس صغير ينمو داخل عمر، إحساس بأن هناك شيئًا غير صحيح. لماذا تعمل كل هذه الكاميرات؟ ولماذا هناك صوت بعيد كأنه يأتي من الجدران؟ شيرين نفسها كانت طريقتها مختلفة جدًا في ذلك اليوم. حاول عمر التحرك، لكنه كان مشلولًا تمامًا، جسمه لم يستجب وبدأت عيناه تثقلان ولا تفتحان.قالت له شيرين: “لا تقلق، هذه خطوة صغيرة”. عمر لم يكن يفهم أي شيء في تلك اللحظة، لم يكن يعرف إن كان في حلم أم واقع، لم يستطع فعل أي شيء، وبدأ يفقد ثقته في شيرين ولم يفهم ما الذي يحدث. مع مرور الوقت، بدأ يسمع صوت شيرين وهي تتحدث بنبرة مختلفة، كأنها تتحدث إلى شخص آخر، كأنها تقدم برنامجًا.قالت لهم: “معنا اليوم تضحية جديدة، سنبدأ بتقطيع الضحية وأنتم ستختارون الجزء الأول”. قالتها بنبرة باردة كأنها تقدم برنامجًا تلفزيونيًا. عيون عمر اتسعت من الرعب، وجسمه كان مشلولًا تمامًا، حاول الصراخ أو التحرك، لكن كل ما كان يخرج منه كان أنينًا مكتومًا. شيرين وقفت أمام الكاميرات بابتسامة شيطانية وقالت: “الآن سنبدأ، تأكدوا أنكم تركزون معنا، والاختيارات ستظهر على الشاشة قريبًا”.الجدران في المختبر امتلأت بالشاشات الصغيرة التي تعرض أسماء أشخاص مجهولين وكلمات غريبة مثل “ابدأ باليد اليمنى” أو “ابدأ بالرجل”. بدأ عمر يلاحظ أن هذه الشاشات تعرض التعليقات التي يرسلها الناس ليختاروا الجزء الذي سيقطع أولًا. حاول الصراخ، حاول إصدار أي صوت، لكن لم يكن هناك أي فائدة، وكل صراخه كان يخرج على هيئة أنين مكتوم. وبدأت شيرين عرضها بالفعل!

مقالات ذات صلة

2 تعليقات

  1. I loved as much as you’ll receive carried out right here. The sketch is tasteful, your authored material stylish. nonetheless, you command get bought an nervousness over that you wish be delivering the following. unwell unquestionably come more formerly again since exactly the same nearly a lot often inside case you shield this hike.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تحقق أيضا
إغلاق
Don`t copy text!
arArabic
Open chat
مرحباً 👋
هل يمكننا مساعدتك؟

أنت تستخدم إضافة Adblock

الرجاء اغلاق حاجب الاعلانات